موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣١ مارس / آذار ٢٠١٦
المطران شوملي يكتب حول عمل الرحمة "مشورة المرتابين"

المطران وليم شوملي :

<p dir="RTL">يحدث أحياناً أنك تتردّد أمام منعطف حاسم، وتحتار لأنك لا تعرف أي قرار تأخذ، علماً بأن قرارك سيحدّد مستقبلك. وربما تمرّ بأزمة إيمانية تجرح علاقتك بالله وتجعلك تبتعد عن الصلاة والكنيسة. وربما تأخذك الحيرة قبل أن تتقدم لوظيفة أو تُقدِم على شراء بيت أو على خطبة أو زواج، أو التكرس لله. وتتساءل أيضاً: كيف أتصرف مع شخص أساء اليّ؟</p><p dir="RTL">ما العمل للخروج من الحيرة؟</p><p dir="RTL">الحل هو التفكير الهادى والصلاة والاستعانة بالعقلاء. وصدق من قال: &quot;من شاور الناس، شاركهم عقولهم&quot;. في هذه الحالة تمنعك المشورة من التهوّر.</p><p dir="RTL">ونتساءل: مَن نستشير؟ وهل نستطيع أن نُشيرَ على غيرنا إذا لم يطلبوا رأينا؟ وماذا يقول الكتاب المقدس في المشورة؟</p><p dir="RTL"><strong>من أستشير؟</strong> يجب تجنّب الأشخاص الذين يبحثون عن مصلحتهم أو من هم بدون خبرة في الموضوع. ويقول الكتاب المقدس متهكّما: &quot;لا تستشِر الكسلان في أمر الشغل، ولا الجافي في الرقة، ولا الجبان في الحرب&quot;. (يشوع 37: 11). بل اطلب رأي مَن يتقي الربّ ويشعر معك في أفراحك وأحزانك. استشر انساناً يحسن الاصغاء. فالطبيب الناجح يسمع شهادة المريض ومعاناته ويطرح عليه الأسئلة اللازمة قبل أن يشخّص المرض ويعطي الدواء. استشر إنساناً مليئاً بالروح القدس. فالمشورة هي هبة منه ومن يسكنه روح الله يقدر أَن ينصح غيره. واذا قرأتَ الكتاب المقدس، وهو من الهام الروح القدس، ستجد الجواب الشافي لسؤالك. أليس يسوع هو الطريق والحق والحياة؟</p><p dir="RTL"><strong>هل يجوز اعطاء نصيحة إذا لم يُطلب مني؟ </strong>اعطاء النصيحة ليس فقط جائزاً بل واجب، حتى إذا لم أكن متأكداً من قبول الشخص لها. لنبحث عن الوقت المناسب، والأسلوب المناسب كي نضمن قبوله لها. ولنحاول اقناعه أن ذلك لخيره وليس لمصلحة طرف آخر.</p><p dir="RTL">في كل الأحوال إسداء النصيحة واجب. إذا كان أعمى يسير باتجاه حفرة فهل بإمكانك السكوت بحجة أنه لم يطلب مشورتك؟ وإذا رأيتَ ابنك يتصرف بجهالة وأنّ تصرفه سيقوده الى نتائج وخيمة، هل تتركه وشأنه بحجة احترام حريته؟</p><p dir="RTL">لم ينتظر السامري الصالح من الإنسان المجروح إشارة بل تطوَّع لمساعدته بدافع من ضميره. إن المشورة للمترددين والمرتابين هي عمل من أعمال الرحمة الروحية. وهي أهم من الصدقة لأنها تنقذ انساناً من حالة يائسة وبائسة وتضعه في الصراط القويم.</p><p dir="RTL"><strong>ماذا يقول الكتاب المقدس؟ </strong>يتحدث يشوع بن سيراخ عن الأصدقاء الكاذبين ويقول: &quot;لا تعتمد على هؤلاء لشيء من المشورة&quot; (يشوع 37: 11). ولكن &quot;لازم الرجل التقي، مَنْ علِمتَه يحفظ الوصايا، ونفسُه كنفسِك. وإذا سقطت يتوجّع لك&quot; (37: 12).</p><p dir="RTL">ويذكر الإنجيل حادثتين مارس فيهما يسوع النصح والارشاد دون أن يُطلب منه.</p><p dir="RTL">- كانت المرأة السامرية فاسدة ومتكبِّرة. في البداية لم تطلب من يسوع أية مشورة بل احتقرته لكونه مختلفاً عنها. ولكنه شعر بضرورة اخراجها من حالة الخطيئة. تدرّج معها في النقاش وكشف لها بؤسها وفشلها في الزواج. وفي النهاية آمنت بها ومضت إلى شعبها لتُعْلِمهم أنها وجدت المسيح.</p><p dir="RTL">- عاد تلميذا عماوس إلى قريتهما وهما محبَطان لأن يسوع الناصري الذي وضعا فيه رجاءَهما قد مات مصلوباً ولم يحقّق الآمال المعلّقة على شخصه. وإذا بيسوع يمشي معهما، ويُصغي إليهما قبل أن يفسِّر لهما الكتب ويفتح أذهانهما فيما يتعلق بالمسيح. نجح في استمالتهما إليه وارتاحا الى حديثه الشيّق. واعترفا لاحقاً: &quot;أما كانت قلوبنا تتقد في صدورنا حين كان يحدّثنا في الكتب&quot;. (لوقا 24: 32).</p><p dir="RTL">ما أحوجنا اليوم إلى كهنة وراهبات، وإلى رجال ونساء يملؤهم روح الله يساعدوننا للوصول إلى من هو الطريق والحق والحياة. ما أحوجنا إلى من يوجهنا إلى إرادة الله واستكشاف تدبيره الإلهي على حياتنا.</p><p dir="RTL">وقبل أن نُشير على غيرنا لا بدّ أن نكون ممتلئين حكمة وعلماً وفطنة. وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، وإذا كان أعمى يقود أعمى، فإن كليهما يقعان في الحفرة.</p>