موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٧
المطران بيتسابالا: دعوتنا أن نسير عكس التيار

د. شارلي يعقوب أبو سعدى :

كان يوم عيد الميلاد في بيت لحم يوماً غائماً جزئياً، وطغت عليه البرودة بشكل عام، والأمطار لم تتوقف طيلة ليلة العيد وخصوصاً إبّان القداس الاحتفالي الذي ترأسه المطران بيتسابالا، المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين. كانت حالة الطقس هذه المتقلبة تُشبه لحد كبير حالة المسيحيين الفلسطينيين الذين تعودوا وبكل أسف على مثل هذه الأيام الصعبة. فقد مرّت علينا الانتفاضتان واجتياح الكنيسة واستشهد الشبان حتى في قلب ساحة وكنيسة المهد، ناهيك عن المعتقلين والجرحى والمهجّرين. وأتانا أخيراً ترامب وقال وقرر ما قرر وأمر بما يريد معتبراً نفسه السيد المطلق لهذا الكون. فأصبح ترامب هيرودس العصر الحديث.

في ليلة الميلاد ترك الرعاة مغارتهم في بيت ساحور وبدأوا رحلة جديدة باتجاه مغارة بيت لحم. لقد دعاهم الله القدير وبواسطة الملاك لأن يبدأوا مسيرةً جديدةً في حياتهم فأصبحوا بذلك أول المبشّرين بميلاد المخلص. هذه دعوتنا الآن وفي هذه الظروف... أن نبدأ من جديد، بالرغم من كل المعيقات من حولنا وكل مظاهر الاحتلال في مدننا وقرانا، وبالرغم أخيراً من خلافاتنا الداخلية. دعوتنا هي ألاّ نستسلم. في ليلة وضحاها أصبح الرعاة مبشرين، فهل يعقل ذلك؟ نعم، لقد بدأوا مسيرة جديدة وخلاّقة غيّرت حياتهم بكل معنى الكلمة، مسيرة عكس التيار والاتجاه المعتاد لهم. انطلقوا من دون خوف أو جبن وقلق!

خلال عظته طلب المطران من السياسيين أن يبدأوا مسيرة عكس التيار كالرعاة تمامًا، وفي نفس الوقت ناشدهم لبلورة رؤية واضحة لمستقبل مشرق لفلسطين وللعالم. وقال المطران بيتسابالا: "... أقول لأصحاب السياسة، أن تحلَّوا بالشجاعة، ولا تخافوا وتجرأوا وجازفوا. لا تخافوا أن تكونوا وحدكم، لا تتركوا رؤاكم. اليوم كما في الأمس، نحن بحاجة إليكم، قادة ساسيين أصحاب سياسة حقيقية وجدية. بالرغم من كل إحباطات الماضي وفي هذه الأيام، احزموا أمركم، لتكن لكم رؤية واضحة. واليوم ودائما اسمعوا صراخ الفقراء والمعذبين، لأن الله لا "ينسى صراخ المتألمين" (مزمور 9: 13).

أن نسير ونعيش عكس التيار يعني أن نحب ونصالح بعضنا بعضًا في زمن يسيطر فيه قانون الغاب على مجتمعاتنا. وفي زمن تهيمن عليه ثقافة السرقة والاختلاس يجب علينا أن نضع مصالحنا الشخصية جانباً وأن نعمل لمصلحة الشعب المظلوم والجائع للعدالة والسلام. أن نعيش عكس التيار هو أن نتعاون ونعمل بيد واحدة بغض النظر عن الفئوية الحزبية والسياسية والدينية. هو أن نُعد ونخلق جيلاً جديداً، واعياً ومبدعاً وخلاّقاً قادراً على تسيير الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. جيلٌ يتحلى بالشجاعة ليغرّد خارج السرب فيقول الحقيقة غير آبه بالإقصاء. أن نعيش عكس التيار هو أن نحترم سيادة القانون والأخلاق العامة في وقت لا مكان فيه للقانون حتى في داخل أروقة الأمم المتحدة. أن نحترم الإنسان كإنسان في وقت يتصاعد فيه رصيد الطائفية في العالم. هو أن نؤمن بالكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية بالرغم من الأخطاء القاتلة لبعض أو للكثير من المسؤولين الكنسيين. أن نسير عكس التيار يعني أن نصلي ويصلي بالأخص رجال الدين، وأن نبقى ونتشبث بوطننا بالرغم من الاحتلال والبؤس وأن نكون شهوداً لإيماننا بالمسيح يسوع القائم من بين الأموات.

وفي ختام العظة، وجه المدبر الرسولي كلمة نبوية للفلسطينيين المسيحيين، فطلب منّا ألاّ نخاف لأن نكون كحبة الحنطة التي يجب أن تقع على الأرض بين التراب لتموت أولا، لكنها ستحيا لاحقًا لا محالة. وأضاف: "القلق والخوف فينا قد يجعلاننا عديمي الإحساس لهذه "العلامة" الصغيرة (ميلاد المسيح بالجسد)، وقد يدفعاننا إلى تحويل الميلاد إلى عيد فقط لتثبيت الهوية ولبعض العزاء... الميلاد يُظهر لنا عمل الله ويبيّن لنا من نحن وماذا يجب أن نكون كمسيحيين... يجب أن نكون علامة متواضعة لقدرة المحبة، وبداية متواضعة لملكوت سلام وحقيقة، يُبنَى لا بقوة السلاح بل بتبديل الحياة وبالمشاركة والأخوة". واستشهد المطران بالقديس بولس الذي كتب: "عندما أكون ضعيفاً أكون قويّاً"، عندما أكون صغيراً إذّاك أكون كبيراً، عندما أكون فقيراً إذّاك أكون غنيًّا، على مثال كلمة الله الذي من غنيٍّ صار فقيرا من أجلنا".