موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الإثنين، ٢٢ ابريل / نيسان ٢٠١٣
المسيحيون يدفعون دائماً ثمن الأزمات التي تهبّ على المنطقة

صونيا رزق :

هجرة المسيحيين من الشرق مشهد يتكرّر ويتنقل حيث مسلسل اضطهاد الأقليات المسيحية في المنطقة يجري بمعدل سريع، ولا يقتصر اضطهاد الأقليات المسيحية على منطقة الشرق الأوسط فقط، بل يتعداها الى مناطق فى الشرق الأقصى وأفريقيا حيث تعاني الأقليات المسيحية اضطهاداً منظّماً، مما يجعل من الهجرة مصدر قلق لأن الأرض التي نشأت عليها المسيحية تفرغ شيئا فشيئاً من مؤمنيها، ومن هنا يجب العمل للحدّ من نزيف الهجرة. كما بات عنوان «الوجود المسيحي في الشرق» يطرح سؤالاً يتردّد بقوة اليوم حول مستقبل هذا الوجود بعد ان ترافق بألم كبير وانتقل صداه ليشمل كل المنطقة التي بدأت تعاني من فقدان الوجود المسيحي على ارضها. بهذه الكلمات تشرح اوساط كنسية هواجسها من هجرة مسيحييّ الشرق وتشير الى وجود دول ضالعة في تمويل الاعتداءات عليهم بهدف عدم استقرار المنطقة، ما ادى شيئاً فشيئاً الى تفكير هؤلاء المسيحيين بالهجرة بعد ان شعروا انهم رهائن في هذا الشرق، فزاد منسوب القلق والخوف على مستقبل وجودهم حيث تقلص الى مستويات غير مسبوقة في العقود الأخيرة، بفعل انعدام الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي الناجم عن تنامي التيارات الأصولية.

وترى الاوساط الكنسية انه على الرغم من تفاقم هذا الخطر، فإن الواقع لم يحظَ بالاهتمام المطلوب وطنياً وإقليمياً ودولياً، وفي أحسن الحالات تم إغفاله وإهماله، والقلة التي تنبهت لمخاطر استمرار النزف المسيحي من الشرق استفاقت متأخرة جداًً وقد لا تفيد في التخفيف من آلام المسيحيين ما لم يسبقها إجراءات عاجلة لوقف هذا النزف المستمر، وإجراءات تؤكد تحمل الحكومات لمسؤوليتها في القيام بواجباتها القانونية وفي توفير الحماية والأمن لمواطنيها المسيحيين، وكذلك الامر بالنسبة الى تحمل المجتمع الدولي حماية هذا الوجود، وتعتبر ان مسؤولية الحفاظ على التنوع الديني لا تقع على عاتق الفاتيكان والمجتمع الدولي وحدهما، بل بدرجة أساسية على عاتق الحكومات الممثلة للغالبية العربية والمسلمة، للمطالبة ليس بإظهار حرصها على التعدّد والتنوع فقط وإنما رعايته واحتضانه في دولها حتى يتم ترسيخه وتجذيره كي لا ُتستدرج إلى ما يسمى صراع الحضارات، أو تنزلق إلى نموذج الدول ذات القومية الواحدة والدين الواحد واللغة الواحدة.

وتشير الى ان الوجود المسيحي بات مهدداً اليوم اكثر من اي وقــت مضى، فالهجمات كانت ثقافية وفكرية الطابع، والــيــوم باتت دمــويــة وعنفية، فالهجوم الفكري اصبح ضعيفاً امام العنف، والــفــكــر مهما كــان متشدداً يمكن ان ُيناقش، اما العنف فلا نقاش معه. من هنا يعيش المسيحيون في الشرق حالة خوف على مستقبلهم فيدفعون دائماً ثمن الازمات التي تهبّ على المنطقة، لذا يبحثون دائماً عن ملاذ آمن في مكان ما من العالم، بعد أن افتقدوه في أوطانهم الأم، وبعد ان تلاشت أحلامهم بـدولة وطنية مدنية حديثة ُتحقق لهم المساواة التامة مع شركائهم، لان المسيحيين إعتادوا العيش بسلام ورقيّ مما أتاح الفرصة للمتطرفين من كافة العقائد والأعراق لتنفيذ مهامهم واستهداف المخالفين لهم في العرق أو العقيدة بعمليات القتل أو الترحيل القسري من أماكنهم، ويرى انه قد آن الاوان للمجتمعات الدولية ان تتحرك بدل ان ُتطلق الكلمات والشعارات فقط ...

وترى الاوساط الكنسية أن الدول العربية ما عادت حامية وضامنة للسلم الاهلي ولعيش المواطنين وحرياتهم، بل تحولت بسبب تخليها عن ادنى شروط الوجود والشرعية الى عبء هائل وضاغط، مشيرةً الى ان المسيحية العربية تواجه اليوم خطراً وجودياً في العراق وفلسطين، فضلاً عن مشكلات قاسية في لبنان وسوريا ومصر، معتبرةً ان الحالة العامة هي حالة تشاؤم لدى الشباب بسبب عدم قدرتهم على تحقيق طموحاتهم، وتعتبر ان المجتمعات العربية تحولت الى معازل تنال من انسانية المسيحيين والمسلمين معاً، وما عاد كثيرون يشعرون بسبب التهميش ان بوسعهم ممارسة طموحاتهم او تحقيقها، لافتةً الى ما حصل لمسيحيّي العراق اذ تمت تصفية الوجود المسيحي هناك وعلى مرأى من مسيحيّي العالم، والى ما يتعرّض له اقباط مصر يومياً من شتى انواع الضغوطات والحوادث الدامية التي قضى بنتيجتها عدد كبير من الشهداء الأقباط مع ما رافقها من تهديم للكنائس، وسألت: «أليس من حق المسيحيين ان يرفعوا الصوت عالياً ويقولوا نحن اصحاب الخصوصية ونحن ابناء هذه المنطقة؟ وما العمل حتى نستطيع إتخاذ الوسائل التي تؤدي الى صناعة العيش المشترك في هذه البلدان؟ ورأت انه كي نصل الى ذلك لا بد من الاعتراف بالخصوصيات المسيحية والسنّية والشيعية، معتبرةً ان على الحضور المسيحي في لبنان ان يكون مشاركاً في صناعة القرار الوطني وإلا لن يتحقق التعايش .

وختمت بأن المسيحيين في الشرق امام تحّد كبير اليوم وهم مسؤولون عن مصيرهم وقرارهم وهم بإختصار «صميم هذا الشرق».