موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٧ ابريل / نيسان ٢٠١٩
الكذبة التي اختلقها الابن الأصغر

الأب خالد قموه :

ظن الإبن الأصغر أن العلاقة المبنية بينه وبين أبيه، هي علاقة مبنية على البعد الجسدي والمادي والمنفعة المتبادلة، وأنه إذا أخذ نصيبه من الميراث، وابتعد ليعيش بمفرده سوف تنتهي هذه العلاقة، وقد جهل أن طبيعة العلاقة التي تجمع بينهما هي في الأساس مبنية على المحبة والرحمة، وغفران الإساءة، لذلك كانت لديه الشجاعة بأن يقول لأبيه ومن غير تردد: "يا أَبَتِ أَعطِني النَّصيبَ الَّذي يَعودُ علَيَّ مِنَ المال".

خرج الابن الأصغر ليعيش حرًا طليقًا، صانعًا ما يحلو له، دون رقيبٍ أو حسيب: "وبَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ جَمَعَ الاِبنُ الأَصغَرُ كُلَّ شَيءٍ لَه، وسافَرَ إِلى بَلَدٍ بَعيد، فَبدَّدَ مالَه هُناكَ في عيشَةِ ِسراف"، معتقدًا أن البيت الوالدي هو بمثابة السجن، الذي يكبح آماله وأمانيه، ويسلب منه حريته.

وعندما قرر أن يعود، لم ينسى أبدًا تلك الكذبة التي طُبعت في عقله، فقرر العودة كعبد وليس كابن يرحب به: "أَقومُ وأَمضي إِلى أَبي فأَقولُ لَه: يا أَبتِ إِنِّي خَطِئتُ إِلى السَّماءِ وإِلَيكَ. ولَستُ أَهْلاً بَعدَ ذلك لِأَن أُدْعى لَكَ ابناً، فاجعَلْني كأَحَدِ أُجَرائِكَ".

لكنه عندما وجد حفاوة الاستقبال الذي لم يكن يليق سوى بالابن الحبيب والمرحب به: "وكانَ لم يَزَلْ بَعيداً إِذ رآه أَبوه، فتَحَرَّكَت أَحْشاؤُه وأَسرَعَ فأَلْقى بِنَفسِه على عُنُقِه وقَبَّلَه طَويلاً. فقالَ الأَبُ لِخَدَمِه: أَسرِعوا فأتوا بِأَفخَرِ حُلَّةٍ وأَلبِسوه، واجعَلوا في إِصبَعِه خاتَماً وفي قَدَمَيه حِذاءً، وأتوا بالعِجْلِ المُسَمَّن واذبَحوه فنأكُلَ ونَتَنَعَّم،لِأَنَّ ابنِي هذا كانَ مَيتاً فعاش، وكانَ ضالاًّ فوُجِد. فأَخذوا يتَنَّعمون".

فلم يكن منه إلا أن يعترف بأنه لم يدرك أن العلاقة التي جمعت بينه وبين أبيه أقوى وأعمق من طول المسافات التي فرقت بينهم، وأصدق من المشاعر التي عاشها بحرية بدار الغربة، وأغنى من كل مال قد بدده، فتوقف عند الجزء الأول من الجملة التي كان من المقرر أن يقولها لأبيه عند اللقاء والتي تنتهي بأنني ابنًا لك: "فقالَ لَه الِابْن: يا أَبَتِ، إِنِّي خَطِئتُ إِلى السَّماءِ وإِلَيكَ، ولَستُ أَهْلاً بَعدَ ذلِكَ لأَن أُدْعى لَكَ ابنًا".

كثيرًا من الأحيان ننسى أن العلاقة التي تجمعنا بالله، هي علاقة محبة، ورحمة ومغفرة، ونعتقد أن العلاقة الروحية بالله، والعيش في البيت الأبوي (الكنيسة) أشبه بالسجن الذي يحدد حريتنا، فنقرر الرحيل بكامل حريتنا، والله أبونا يحترم هذه الحرية، لكنه لا يتخلى عنا. فما أن نقرر العودة حتى نكتشف أنه كان في انتظارنا طوال فترة الغياب عنه، ويفاجئنا بالاستقبال الذي يليق بنا كأبناء أحباء على قلب الله.