موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٠ يناير / كانون الثاني ٢٠١٧
القس عازر: ما بقي من صعوبة اليوم سوف يتحقق غدًا بمعونة الروح القدس

عمّان - القس سامر عازر :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">فيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها القس سامر عازر، رئيس مجمع الكنيسة اللوثرية في الأرض المقدسة، وراعي الكنيسة اللوثرية في عمّان، في لقاء الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، وذلك في مجمع الكنائس الإنجيلي الأردني:</span></p><p dir="RTL">قال يسوع &quot;بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حبٌّ بعضًا لبعض&quot; (يو 13: 35).</p><p dir="RTL">جمع أب وهو ينازع على فراش الموت أبناءه وتكلم معهم عن وحدة العائلة، فلم يفهمها الأولاد المختلفين في الرأي، عندها أعطى كل ابن من أبنائه عودًا ليكسرَه، فكسره كلُّ واحد ببساطة واستهتار دون أن يعلم اللغز من ذلك. فقام وأعطى كل واحد عودًا جديدًا وطلب منهم أن تُجمع العيدان وتربط برزمة متراصة مع بعضها البعض، ثم طلب بكسرها، فلم يستطع أحد على كسرها لأنها وحدة متماسكة.</p><p dir="RTL">هذه ليست سوى وحدة المحبة، وبالمحبة وحدها تقوى رسالة الكنيسة ويشتد عودُها. وعن هذه المحبة قال يسوع، بها يعرف الجميع أنكم تلاميذي، لأننا عندها نجسد وحدة العائلة ووحدة البيت. فالبيت المنقسم على ذاته لا يثبت.</p><p dir="RTL">أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، في كل عام نجتمع في أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين (18-25 كانون ثاني) تحت شعار &quot;ليكون الجميع واحدًا كما أني أنا والآب واحد&quot;. والعادة في القدس أن تُجرى خدمات على مدار الأسبوع في كل الكنائس المنضوية تحت مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومن الجدير أن نجسد هذه التقليد في كنائسنا الأردنية لنظهر وحدة الصف ووحدة الرسالة.</p><p dir="RTL">بداية، أشكركم جزيلُ الشكر على دعوتكم الكريمة لي للمشاركة بلقاء المحبة هذا، فالمحبة هي أساس كل شيء، وهي أعظم جميع المواهب الروحية. بعد أن عدد بولس الرسول المواهب الكثيرة قال &quot;وأيضاً أريكم طريقاً أفضل&quot; (1 كو 12: 31)، وهذه الطريق ليست سوى طريقُ المحبة. فالمحبة أيضًا أسمى مواهب الروح القدس فهي كما وصفها بولس الرسول &quot;رباط الكمال&quot; (كو 3: 14)، ومن يملِكُهٌ الروح القدس ويقوده يمتلئ قلبُه وَيَعمُرُ بالمحبة. والمحبة في المسيحية لا تسقط أبدًا، بل حبة الحنطة التي تقع في الأرض وتمت لن تبقى وحدها بل تأتي بثمر كثير. فالنبوءات ستنتهي والعلم سيبطل وأما المحبة فتثبت إلى الأبد. وبالمحبة وحدَها نقدر أن نرى وجه الله، لأن &quot;الله محبة&quot; وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله.</p><p dir="RTL">لغة المحبة أصعب لغة في العالم، وخصوصاً اليوم، فالعالم لا يعرف إلا لغة الخصام والمشاحنات والتفرقة والعنصرية والتعصب والانغلاق والإدعاء بامتلاك كامل الحقيقة. ولذلك كانت وصية المسيح الأولى والعظمى هي وصية المحبة &quot;تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك وتحب قريبك كنفسك&quot;.</p><p dir="RTL">ولم يحدد لنا الكتاب المقدس مفهوم القريب الذي علينا أن نحبَّه هذه المحبة على أساس من يتفق معنا في الرأي أو في المذهب أو في العقيدة أو في الدين أو في العشيرة أو في الجنس، بل قريبنا هو جارنا وأخونا في الإنسانية حيثما وجدناه، وكما قال جبران خليل جبران &quot;العالم كله وطني، والبشر كلهم إخواني&quot;.</p><p dir="RTL">ولذلك فلغة العالم لغة تدعو للفرقة، للانقسام، للتشرذم على عكس لغة المسيح فهي لغة المحبة.. اللغة التي لا يفهمها العالم ولا يقبلها لأنها مبنية على شريعة العين بالعين والسن بالسن، على خلاف شريعة المحبة المبنية على الميل الثاني والخد الآخر، على المسامحة والغفران والصلاة لأجل الأعداء وعدم الانتقام.</p><p dir="RTL">بهذه المحبة، أحبائي، نحن ككنسية مشرقية مدعوون أن نعيش، رغم كل اختلافاتنا وتعدد تراثاتنا وتقاليدنا، ولا يعني ذلك أبداً الضعف أو الجبن أو السكوت على الشر والفساد، بل مواجهة العالم بقوة المحبة وبسلاح المحبة &quot;افعلوا كل شيء بالمحبة <span dir="LTR">Do every thing in love</span>&quot;.</p><p dir="RTL">وعلامة المحبة هذه ستبقى هي السمة للمسيحية ولأتباع المسيح المؤمنين، وإن فقدناها فقدت الكنيسة جوهرها وبريقها ولم تعد سوى مؤسسة مسجلة لها ماركة محلية. في الكنيسة الأولى كانوا يقولون &quot;انظروا كيف يحبون بعضهم البعض&quot;، فهل نحب بعضنا بعضًا اليوم مثلهم، أم وحدتنا شعارات ومثاليات؟!</p><p dir="RTL">لم يكن آنذاك في عصر المسيح طوائف كما اليوم، لكن كان التلاميذ من خلفيات مختلفة وعادات مختلفة وتقاليد متنوعة ومع ذلك وحدَّتهم محبة يسوع ورسالة يسوع فأصبحوا عائلة واحدة، رعية واحدة لراعي واحد &quot;أنظروا كيف يحبون بعضهم بعضا&quot;. اليوم عندما تصدر بعض التصرفات المسيحية غير المسؤولة لا يقولون الكنيسة الفلانية، بل يُقال &quot;انظروا المسيحيون فرق وشيع&quot;، يَعْمِلون غير ما يعلّمون.</p><p dir="RTL">أحبائي في الرب، إن الكنيسة المشرقية كنيسة غنية بتراثاتها المتنوعة وهي غنية بكنوزها التاريخية ووحدتنا لا تعني بتاتًا <span dir="LTR">uniformity</span> أي الثماثلية، بل <span dir="LTR">unity</span> أي الوحدة في الرؤيا، في الهدف، في الرسالة، في التعاون. وحدتنا في التعددية، وحدتنا في المحبة المتبادلة، وحدتنا في الرؤيا نحو بناء الإنسان وإعمار المكان.</p><p dir="RTL">الشرق الأوسط يجتمع فيه كل تركيبة الكنائس المتعددة، ففي القدس 13 مطران وبطريرك، إضافة إلى الكنائس الإنجيلية الأخرى، يشكلون قطعة قماش منسوجة بأجمل الألون. جمالها في تكامل أجزائها ولو فقدت قطعة من قطع الفسيفساء لبقى مكانها أجوفاً شاذًا.</p><p dir="RTL">أسبوع الصلاة من أجل الوحدة الذي تعودنا عليه في مجلس كنائس الشرق الأوسط تقليدًا سنويًا وجب علينا أن نتشبث به ونعليه. فتحدي الوحدة الحقيقية تكمن عندما نغادر خدمة الوحدة هذه. الوحدة الحقيقية تكمن في الاقتراب من المسيح أكثر فأكثر، وتحتاج منا إلى حوارات معمقة والبحث عن آلاليات واستراتيجيات تجسد مفهوم الوحدة الحقيقية.</p><p dir="RTL">فما هو غير ممكن عند الناس ممكن عند الله، كما قال الملاك للعذراء المباركة مريم. من قال أن ممكنًا أن تحتفل الكنيستين العريقتين الكاثوليكية واللوثرية في القرن الحادي والعشرين بخدمة صلاة مشتركة والتوقيع على المصالحة التاريخية في كاتدرائية لوند في السويد في 31/10/2016 وهي الذكرى الخمسمائة للإصلاح.</p><p dir="RTL">بعد خمسة قرون من النزاع انتقلنا إلى الشراكة، وسنحتفل في الشهر القادم في عمان في الكنيسة اللوثرية بخدمة مباركة يترأسها سيادة رئيس الأساقفة المدبر الرسولي بييرباتيستا بيتسابالا والمطران منيب يونان رئيس الاتحاد اللوثري العالمي، والدعوة عامة للجميع تعلن لاحقًا.</p><p dir="RTL">لغة المحبة هي لغة المسيح، هي لغة الحوار اللاهوتي، هي لغة الخدمة معًا سائلين العلي القدير أن يتوج هذه المصالحة التاريخية بالشركة المقدسة الكاملة عندما نشترك سوية في المائدة المقدسة، سر الإفخارستيا. فما كان مستحيلاً سابقًا أصبح ممكنا اليوم، وما بقي من صعوبة اليوم سوف يتحقق غدًا بنعمة ومعونة الروح القدس.</p><p dir="RTL">كلمة أخيرة أقولها، أننا مدعوون في الشرق وكما جاء في العبارة اللاتينية الشهيرة &quot;من الشرق يأتي النور&quot; ونحن أبناء النور، نحن أبناء القيامة، نحن ورثة الإيمان المسيحي الحي، علينا أن نشهد لمحبة المسيح كإنجيل خامس حي متنقل ينعش القلوب ويزرع الإيمان في النفوس. ولن نكون علامة فارقة ومؤثرة في الأردن والشرق العربي إلا بمحبتنا للمسيح ولبعضنا البعض، وبوحدة العمل المشترك والتعاون والهدف.</p><p dir="RTL">قال يسوع &quot;بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض&quot; (يو 13: 35).</p>