موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
القديس فرنسيس والرهبنة الفرنسيسكانية وهوية الأرض المقدسة

د. شارلي يعقوب أبو سعدى :

تحتفل الكنيسة المحلية والرهبنة الفرنسيسكانية بشكل خاص بالذكرى المئوية الثامنة لوجود هذه الرهبنة في الأرض المقدسة. وقد وجه البابا فرنسيس رسالة لحارس الأراضي المقدسة الأب فرانشيسكو باتون، هنأه خلالها بهذه الذكرى، وطلب منهومن الرهبان أن "يتشجعوا ويثابروا في مساندة إخوتهم وخصوصاً الفقراء منهم والمعوزين، وفي تعليم جيل الشبيبة ومساعدة كبار السن والمرضى وعيش أعمال الرحمة بصورة يومية وفعّالة".

قبل ثماني مائة عام، أي في العام 1217، بدأ اهتمام القديس فرنسيس الأسيزي بالشرق الأوسط. فطلب من اخوته أن يأتوا إلى الأرض المقدسة ليكونوا شهوداً للمسيح في الإيمان والأخوّة والسلام. ونظراً للظروف التاريخية والاجتماعية التي حلّت بالمشرق العربي وتراجع أعداد المسيحيين، أراد القديس فرنسيس أن يمد يد العون لاخوته المسيحيين ويسد الدين. فسعى إلى رد الجميل لنا، ذلك لأن أجداده كانوا قد عرفوا المسيح عن طريق أجدادنا نحن. أمّا من ناحية أخرى فقد عمل على أن يدخل في حوار بنّاء وفعّال وحضاري وأخوي مع الإسلام والمسلمين. فالتقى بالسلطان الفاطمي الكامل عام 1219 في مدينة دمياط المصرية. وقد استمر هذا اللقاء لأيام عديدة أظهر خلاله السلطان انفتاحاً وتقبلاً كبيراً للآخر وللمختلف.

ومنذ القرن الرابع عشر استقر الآباء الفرنسيسكان في الأرض المقدسة، وكانوا يعملون على الحفاظ على الإرث المسيحي والإنساني والتراثي، كما أنهم قدموا العشرات من الشهداء على مر التاريخ. فكانوا منذ البداية يدركون صعوبة المهمة الملقاة عليهم، وخصوصاً أنهم متواجدين في أرض مشرقية أغلبية سكانها كانوا من إخوتهم المسلمين الذين هم مختلفين عنهم في اللغة والتقاليد والثقافة بشكل عام.

يعيش الرهبان حياة بسيطة بعيدة عن الترف والاسراف عادة. وهمّ الرهبان الأول هو الصلاة والمثابرة على التأمل بكلمة الله الحية، محافظين في نفس الوقت على كنائس القيامة في القدس والمهد في بيت لحم والبشارة في الناصرة. وقدم الرهبان الفرنسيسكان الكثير الكثير لسكانها المسلمين والمسيحيين. فيطلب منهم قداسة البابا فرنسيس في رسالته المذكورة آنفاً بأن "يعملوا على تربية الشباب الذين غالباً ما يتعرضون لخطر فقدان الرجاء في بيئة من دون سلام". فمدارسهم الشامخة في القدس وأريحا وبيت لحم ويافا وعمان وفي غيرها من المدن هي خير دليل على مدى حبهم لسكان هذه الأرض الطيبة. أما الكاردينال ساندري، وهو رئيس مجمع الكنائس الشرقية، فقد قال أن الرهبان الفرنسيسكان عملوا على إعادة إعمار الحجر أي الكنائس، وفي نفس الوقت فقد نجحوا في إحياء الحياة الروحية في الأرض المقدسة من خلال عملهم الرعوي في الرعايا المختلفة. فهم بالتالي نجحوا بالحفاظ على الهوية المسيحية في الأرض المقدسة.

ما هي رسالة القديس فرنسيس والرهبان الفرنسيسكان لنا اليوم؟ هذا القديس الكبير لم يبد أي خوف من النبي محمد ولا من المسلمين فكان يعتبرهم إخوة له، فالله خلق الجميع على صورته ومثاله. ومن ناحية أخرى فإن السلطان الفاطمي الكامل أثبت هو الآخر أنه لا يخاف المسيح ولا المسيحية على أساس أن المسيحيين هم "مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ" (سورة آل عمران 113). إذا عشنا كاخوة فلا داعي أن يخاف كل منا الآخر، حتى ولو أن أموراً وأحداثاً غير إنسانية وبشعة تجري في مشرقنا العربي الحبيب. وفي ظل ما يسمى بالربيع الإسرائيلي والشتاء العربي فإننا جميعا مدعوون إلى عدم الخوف أو التخوف من الآخر وإلى عدم الانجرار وراء العواطف الهدّامة ولا للتقوقع في دويلة شيعية أم سنية أم كلدانية أو مارونية.

هنيئاً للاخوة الفرنسيسكان في عيدهم هذا الذي أتى ليذكّرهم من جديد برسالتهم كرهبان في أرض صعبة لكنها خصبة في نفس الوقت. رسالتهم هي رسالة الله الخالق الواحد: أن يعيشوا الإنجيل المقدس في كل أيام حياتهم فينشرون بذلك محبة الله بين الناس.