موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٥ يونيو / حزيران ٢٠١٧
الرياضة والتسامح الديني

أ. د. فيصل الملا :

قد يبدو للوهلة الأولى أن ما يربط الرياضة بالدين إنما هي روابط قليلة أو بسيطة، ولكن من خلال الدراسة المعمقة لثقافة الإنسان، أصبحنا اليوم على قناعة بأن الرياضة المعاصرة بلغت شعبيتها الآفاق لدرجة أن أصبح لها دور مهم في الدين ومؤثراتها، وقد تكون في كثير من الأحيان أداة للتقريب بين الأديان والطوائف والمذاهب، ونشر ثقافة الاعتدال والتعايش والتسامح العالمي بين الأمم والشعوب.

مناسبة هذه المقدمة أنه أجريت مؤخرًا في مدينة دوسلدورف الألمانية مباراة رمزية في كرة القدم ولكن بنكهة مختلفة، حيث أقيمت المباراة بين فريق من الأئمة المسلمين، وفريق من القساوسة الكاثوليك، وتولى يهودي مهمة التحكيم فيها، وسط حضور كبير من المسلمين والمسيحيين في المدينة. ورغم تمكن فريق أئمة المساجد في النهاية من الفوز على فريق القساوسة بواقع أربعة أهداف مقابل هدفين، إلا أن الجميع خرج فائزا في تلك المباراة، التي شكلت فرصة للحوار والتعايش بعيدا عن الأحكام والمواقف المسبقة، خصوصا في وقت تتواجد فيه قوى وتيارات سياسية تحاول نشر الكراهية والتفرقة بين الديانات والطوائف والمذاهب.

نعيش هذه الأيام في أوقات عصيبة فرضتها مجموعة من التحديات غير المسبوقة، حيث عادت سياسة التعصب والعدوانية والعنصرية لتلقي بظلالها على الساحة العالمية حتى وصلت إلى المحافل الرياضية. وقد وفرت الظروف الحالية الفرصة الثمينة للمتطرفين وذوي النزعات الشعوبية والطائفية من كافة الأطياف لشن حربهم البغيضة التي تكرس الطائفية وتزرع بذور الحقد والكراهية والتعصب. ونتيجة لذلك، ازدادت الانقسامات بين المجتمعات في كافة المحافل بشكل مضطرد ومنها الرياضية، حيت طفت على الساحة الرياضية الانشقاقات والتصدعات الاجتماعية. ويبدو هذا جليا في منطقتنا أكثر من غيرها من المناطق حول العالم، مما يستدعي منا جميعا العمل على تعزيز روح التسامح وترسيخها بين الشعوب.

ومن الجدير بالذكر أن الرياضة تلعب دورا مهما في ترسيخ قيم الرحمة والتسامح والاعتدال لكونها تمثل احد أهم وسائل التعاون والتعايش بين الأمم، ولما تحمله من أهداف قيمة تؤسس للسلم والسلام العالمي. وقد سعت الرياضية منذ بداية نشأتها إلى نشر أواصر المودة والسلم العالمي بين الشعوب، والقضاء علي الخصال السيئة في الإنسان كالتعصب والعدوانية والعنصرية، وفتح قنوات اتصال بين الدول التي توجد بينها خلافات سياسية أو دينية، فالرياضة بكافة أنواعها لها دور عظيم في تقريب الشعوب بعضها ببعض. وتعتبر الرياضة هي اللغة الوحيدة المشتركة بين الشعوب رغم اختلاف أجناسها ودياناتها وألسنتها.

لقد سعت المنظمات الرياضية الدولية تنفيذ البرامج والمبادرات، سعيا منها لترسيخ قيم التسامح الديني، وتعزيز مقدرة التصدي للتطرف بالتعاون مع الجهات الإقليمية والمجتمع الدولي. ونظرا لكون المنظمات الرياضية الدولية هي المعنية عن الحركة الرياضية في العالم، فإنها تلعب دورا بارزا في تعزيز قيم التسامح الديني، والحوار بين الأديان، وتشجيع ثقافة الانفتاح وقبول الآخر من أجل إقامة مجتمعات تنعم بالسعادة والاستقرار والازدهار. ولتحقيق هذه الغاية، أقامت بعض المنظمات الرياضية الدولية مباريات ودية وخيرية، وحظرت رفع الشعارات الدينية أو العقائدية في الملاعب الرياضية، وأصدرت العقوبات بحق عدد من الأندية التي يتلفظ مشجعوها بألفاظ عنصرية وذلك لنشر ثقافة السلم والوئام في العالم، وبناء جسور التواصل بين الأديان والثقافات ومكافحة الأفكار والعقائد المتطرفة.

إن الرياضة منذ نشأتها هي النموذج الأمثل لتعزيز قيم التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي بين مختلف الأديان والمذاهب والطوائف، كما يمكن لها أن تلعب دورًا بارزًا في نشر ثقافة التسامح وخلق القدرة على التعامل مع الآخر وقبوله مهما كانت أوجه الاختلاف، وكلها من الأمور التي تبعد الشباب عن التعصب وبالتالي إبعادهم عن التطرف.

حياة تستمر.. ورؤى لا تغيب

(نقلا عن صحيفة الأيام البحرينية)