موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٥ ابريل / نيسان ٢٠١٦
الحرية الداخلية: كتاب معرّب جديد للأب علاء علمات‎

عمّان - أبونا :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">أصدر الأب علاء علمات، أحد كهنة البطريركية اللاتينية، وهو حالياً مدير مركز سيدة السلام وكاهن رعية الراعي الصالح المتواجدة في المركز، كتاباً جديداً نقله إلى العربية لمؤلفه الأصلي الأب جاك فيليب. ويحمل الكتاب عنواناً رئيسياً: هو &quot;الحرية الداخلية&quot;، وعنواناً فرعياً: &quot;قوة الإيمان والرجاء والمحبة&quot;. وقدّم له الأب العلامة والمفكر رفيق خوري، المتواجد حالياً في دار البطريركية اللاتينية في القدس<span dir="LTR">.</span></span></p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;">وفيما يهنىء موقع أبونا الأخ والصديق الأب علاء على هذا الإنجاز الجديد، يسعدنا أن نعلن بأنه يباع حصرياً في مكتبة يسوع الملك في بيت ساحور في فلسطين، وفي الأردن في مكتبة الشبيبة ستورز في جبل عمّان. ويسعدنا كذلك أن ننشر تالياً المقدمة التي خص بها الأب خوري الكتاب بطبعته العربية:</span></p><p dir="RTL">&laquo;إعرِفْ نَفْسَك&raquo;: هذا ما يقولُهُ سقراط، بناءً على الكلمةِ التي نُقشت على واجهةِ هيكلِ ابولو في جبلِ الإلهةِ ديلفي (اليونان). وهي الكلمةُ التي تلخّصُ، في رأيي، هذا الكتاب. إنَّ معرفةَ الذّاتِ تعني الدّخولَ إلى أعماقِ ذواتِنا ودواخلِ قلوبِنا، إلى هذه المَساحاتِ الدّاخليّةِ التي تتبلورُ فيها الدّوافعُ الخفيّةُ لأعمالِنا والنّوايا الخفيّةُ والخِياراتُ والقرارت، وبالتّالي، حيثُ تكمُنُ الحياةُ الحقيقيّة. ما لم يخترق المرءُ هذه الطّبقاتِ المتراكمةَ للوصولِ إلى تلك المَسافاتِ الدّاخليّة، فإنه يظلّ على أطرافِ ذاتِه أو في ضواحيها أو على قُشورِها، ليرقصَ على طبقةِ الجليدِ التي تعزلُهُ عن ذاتِه الحقيقيّة، بينما تجري مياهُ الحياةِ الحقيقيّةِ في مكانٍ آخر. لا يبقى المرءُ، في هذه الحالة، بعيدًا عن ذاتِه، بل غريبًا عنها، ما يفقده الفرصةَ أن يبني ذاتَه من الدّاخل.</p><p dir="RTL">ولكن الدّخولَ إلى هذه المَساحاتِ الدّاخليّة -بالإضافةِ إلى صعوبتِه- يعرّضُ المرءَ إلى خطرٍ قاتل، وهو التّمحوُرُ حولَ الذّات، وهو نوعٌ من أنواعِ النّرجسيّةِ التي تجعلنا نتحرّكُ في دوائرِ ذواتِنا من غير الخروجِ إلى الهواءِ الطّلِقِ للالتقاء بالعالمِ وبالآخرين وبالحياة بكل زَخَمِها. مَن يُنقِذُنا من هذا الدّوَرانِ العبثيّ ومن هذه الدّائرةِ المُغلقةِ التي تَخنُقُنا؟ - إنّه الله. إنَّ اللّقاءَ باللهِ هو &laquo;خروجٌ&raquo; مِنَ الذّات، يُحرّرُنا من ذواتِنا لنكتشفَ حقيقتَها. وهو الخروجُ الذي يَفتحُ الطّريقَ أيضًا لِلقاءِ الآخر، وبالتّالي، في آخرِ الأمر، لِلقاءِ الذّاتِ في حقيقةِ معانيها وأعمقِها. إن هذا &laquo;الخروجَ&raquo; هو خروجٌ مِنَ العبوديّةِ إلى الحرّيّة، مِنَ المنفى إلى &laquo;أرضِ الميعاد&raquo;.</p><p dir="RTL">وهكذا، نصلُ إلى عنوانِ الكتاب: &laquo;الحرّيّةُ الدّاخليّة&raquo;. إنَّ هذا الكتابَ هو دعوةٌ إلى المُضيِّ قُدُمًا بخطى تدريجيّةٍ ثابتةٍ وواثقةٍ نحو الحرّيّةِ الدّاخليّة، التي تجعلُ الإنسانَ إنسانًا، وبالتّالي إبنًا حقيقيًّا لله. وبهذا، ينفي الكتابُ المقولةَ، التي أصبحت دارجةً في ثقافةِ اليوم (خصوصًا في الغرب)، وهي أنّ اللّقاءَ باللهِ هو انتفاءٌ لحريّةِ الإنسان. يُبيّن لنا الكتابُ العكسَ تمامًا: إن سلوكَ الطّريقِ المؤدّي إلى اللهِ هو الطّريقُ عينُه الذي يؤدّي بنا إلى الحرّيّةِ الحقيقيّة. والحرّيّةُ هي ما يبحثُ عنها إنسانُ اليوم بكُلِّ جوارحِهِ ويرى فيها سعادتَه وتحقيقَ ذاتِه، والتي كثيرًا ما تتعرّضُ للتّشويهات. وهذا ما يجعلُ الكتابَ يتوقّفُ عند المعاني المتنوعة (والمشوَّهة) للحرّيّة (ومنها، على سبيلِ المثال، الفرق الشّاسع بين الحرّيّةِ الدّاخليّةِ والحرّيّةِ الخارجيّة)، ليُمهّدَ الطّريقَ لما يليه من تأمّلاتٍ ترمي إلى تجاوزِ المعاني السّلبيّة للحرّيّة، مع ما ينطوي عليها مِن عَقَبات، والتي هي أشبهُ ما تكونُ بالقفزِ على العوارض وما يرافقُها من جُهدٍ للوصولِ إلى النّصر. ولكن هذا الجهدَ هو، في الحقيقة، ليس جهدَنا، بل عملُ الله فينا. وعليه، ما علينا إلاّ أن نفتحَ أبوابَ قلوبِنا لهذا العملِ المُحْيي والخلاّق.</p><p dir="RTL">في هذه الأجواء، ينتقلُ بنا الكتابُ إلى &laquo;الإيمانِ والرّجاءِ والمحبّة&raquo;، على أنها الطّريقُ المؤدّي إلى الحرّيّةِ الدّاخليّة. من هنا جاء العنوانُ الجانبيُّ للكتاب: &laquo;قوةُ الإيمان والرّجاءِ والمحبّة&raquo;. لا يَعتبرُ الكتابُ هذه الفضائلَ الإلهيّةَ كُتَلًا صخريةً جامدة، بل واقعًا حيويًّا ينمو فينا وننمو نحن فيه، لنصِلَ إلى الحرّيّةِ الدّاخليّة، عبر المِحنةِ والألمِ والصّعوباتِ والرّياحِ المُعاكسة، وحتى عبر خطايانا. وهذا كلّه يتجمّعُ في &laquo;اللّحظةِ الحاضرة&raquo; ومتطلباتها، والتي تحمينا من الحنينِ إلى الماضي والهروبِ في المستقبل، والتي، في الوقتِ عَينِهِ، تُساعِدُنا على استيعابِ ماضينا وفتحِ الطّريقِ لمستقبلِنا.</p><p dir="RTL">يتوقّفُ الكتاب عند &laquo;وساطة الآخر&raquo; في هذه العمليّةِ التحرّريّة، بمعنى أن قبولَ الآخرِ هو، في نهاية الأمر، قبولُنا لذواتنا، وأنّ تحرُّرَنا الدّاخليَّ يمرّ عبر اللّقاءِ بالآخر، مع ما يرافقُ هذا اللّقاءَ من عقباتٍ وانسداداتٍ ومشاعرَ عدوانيةٍ كلّما تجاوزناها أصبحنا على مسافةٍ أقرب من ذواتِنا ومن دوائرِ النّورِ التي نُحقّقُ فيها ذواتَنا بينما نقتربُ من الآخر. في هذه الحالة، يُصبحُ الآخرُ نِعمةً بدل أن يكونَ نقمة، وبركةً بدل أن يكونَ لعنة. عند هذا الحدّ، تكتملُ الحلقةُ التحرّريّة: الله - الذّات - الآخر، التي تتفاعلُ لترسمَ خارطةَ الطّريقِ للتحرّرِ الدّاخليّ، الذي يقودُنا، بدَورِه، إلى السّاحةِ العامةِ بكلّ مجالاتها، لنأخذَ دورَنا في الكنيسةِ والمجتمع.</p><p dir="RTL">بينما كنتُ أقرأُ هذا الكتاب، تبيّن لي أنّ الحياةَ سرُّ بَهاء، وينكشفُ لنا هذا السّرُّ شيئًا فشيئًا وتدريجيًّا، عبر خبراتِنا الحياتيّةِ المتنوعة. إنَّ هذا الكتابَ يساعدُنا على اكتشافِ هذا البهاءِ والفرحِ بضيائه. إنَّ الحياةَ مسيرةٌ شاقّةٌ وجَميلة، وطوبى لِمَن يُواجهُ مشقّاتِها ليكشِفَ جَمالَها. لقد فَرِحَ الأب علاء علامات بهذه المسيرة، وأرادَ أن يُشاركَ فيها قرّاءَ بلادِه، بِنقلِهِ الكتابَ إلى اللّغةِ العربيّة، مع كُلِّ صعوباتِ ترجمةِ هذا النّوعِ من الكُتُب. وما نرجوه هو أن يَجِدَ قرّاءٌ كثيرون في هذا الكتابِ طريقَ حرّيّتِهم الحقيقيّة، أي الحريّة الدّاخليّة. الشّكرُ للمؤلّف. والشّكرُ للمترجم، الأب علاء علامات.</p>