موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
البطريرك لويس ساكو يكتب: الانقسامات داخل الكنيسة

البطريرك لويس روفائيل ساكو :

■ الكنيسة ليست المَبنَى

بل هي المؤمنونَ بالمسيح في مسيرتهم الحثيثة، نحو العيش وفق تعليمه. وقد وضَّح يسوع هدفه من تأسيسها: “لتكون لهم – جميع البشر- الحياة وبوفرة” (يوحنا 10: 10). ووعد أنه لن ينفصل عنها، فهو رأسها وحاميها: “أبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى 18:16). وصلَّى ليكونَ جميع المسيحيين واحداً (يوحنا 17: 20- 22). المسيحيون الأوائل، قادهم الرسل وخلفاؤهم؛ وبجهودهم ولدت – فضلاً عن كنيسة اورشليم/ القدس- كنائس جديدة، ككنيسة أنطاكيا، وكنيسة بلاد ما بين النهرين، وكنيسة روما، وكنائس آسيا الوسطى. ومع هذا الانتشار بقيت الكنيسة متَّحدةً بإيمانها وخدمتها وصلاتها، ورسّخَ هذه الوحدة إعلان رسالة المسيح الى العالم أجمع. لكن الكنيسة سرعان ما إنقسمت حين قفزت إلى سدة الحكم في زمن قسطنطين (272-337م) وخلفائه، وتغلغلَ “روح العالم” فيها. ومن هذا المنطلق ترأس قسطنطين نفسه مجمع نيقية المسكوني. كما إستغل بعض الأساقفة السلطة المدنية للحفاظ على كراسيهم وإمتيازاتهم، مما أنتج بطريركين وبابوين في حقبة من تاريخ الكنائس!

■ الانشقاقات

عرفَت الكنيسة عبر العصور، كما أشرتُ، إنشقاقات داخلية وخارجية بسبب العوامل الشخصية والثقافية واللاهوتية والإجتماعية والسياسية. فالكنيسة ليست الهية فحسب، بل هي بشرية أيضاً. إزاء هذا قام بعض المفكرين المتعصبين (السلفيين) باستخراج نصوص من الكتاب المقدس تُطابِق حرفياً آراءهم، وإستندوا اليها في إثبات طروحاتهم، وعزلوا بالتالي النصوص عن سياقها وحمَّلوها معانٍ لاهوتية وأخلاقية بعيدة عن مضمونها. نذكر على سبيل المثال ما فعله آريوس (256 – 336م) وآخرون. رفضت الكنيسة اراءهم، ودافعت عن إستقامة الإيمان وفصلتهم عنها (حرمتهم) فولدت على إثر ذلك كنائس جديدة بسبب العناد الشخصي.

■ حالة مماثلة في الكنيسة الكلدانية

كاهن راهب ترك ديره وسافر الى الولايات المتحدة، وقدَّم لجوءً هناك للحصول على الجنسية الامريكية. وعندما طالبناه بالعودة، رفضَ الطاعة بعناد، زاعماً أن العراق وادي الموت، في حين أن ديره يقع في منطقة آمنة. وحين أوقفناه عن الخدمة الكهنوتية، إستأجر مبنىً كنسياً “على حسابه” في مدينة ساندييكو- كاليفورنيا، وفتح “هذا الدكان” للخدمة. كما أنشأ موقعاً الكترونياً يشتُم فيه البابا والبطريرك والأساقفة، وينشر مقالاتٍ تنتقد الكل، ما هذه الاخلاق! هذا الشخص يركّز على ذاته ولا تهمُّه الكنيسة ولا الجماعة ولا يعرف معنى الطاعة والتضحية من أجل وحدة الكنيسة وتقدمها! فوضع نفسه بالتالي خارج الكنيسة الكاثوليكية. وليعلم من يشترك معه في خدمة الأسرار كالقداس، أو يشجِّعه أو يدعمه يضع نفسه هو أيضاً خارج الكنيسة الكاثوليكية!

■ الحركة المسكونية

هي رغبة جميع الكنائس للعمل في سبيل الوحدة بين المسيحيين التي طالما من أجلها صلَّى المسيح (يوحنا 17: 21). المسكونية حركة كنسية شاملة تبحث عن الأشياء المشتركة، وعن آليات تقارب الأفكار. وقد أسهمت الحركة المسكونية في تشجيع معظم رؤساء الكنائس على إصدار بيانات تثبت وحدة العقيدة، ووحدة الكنيسة في الجوهر (افسس 4: 4-6)، ذلك أن الخلاف ليس عقائدياً بل يُعزى معظمه الى المفهوم الكنسي إكليزولوجيا – الرئاسة. هذه الوحدة ليست شكلاً من أشكال الفيدرالية، بل هي التعبير الكامل والصادق عن الكنيسة الجامعة، والشركة Koinonia القائمة على وحدة الايمان، ووحدة الاحتفال بالأسرار ووحدة العمل الرسولي. شعبنا يحتاج أن يشعر بمضامين الوحدة. فالوحدة والشركة والتضامن والتعاون مصدر رجاء وفرح وقوة لتكون شهادتنا الإيمانية والأخلاقية صادقة.

■ وحدة كنيسة المشرق الكلدانية – الاشورية

تبين المؤشرات المعاصرة، كم من التواضع والتنازل يتطلبه الاهتداء الى الوحدة المسكونية، بعيداً عن السلفية اللاهوتية والليتورجية ووجاهة التفرّد ككيانات كنسية مستقلة. كانت وفاة مثلث الرحمات البطريرك مار دنحا الرابع فرصة لإستعادة وحدة كنائسنا الثلاث، ذات التاريخ والجذور المشتركة، لكنها لم تحصل. أتمنى ان يعيَ مسؤولو هذه الكنائس أهمية هذه الوحدة للبقاء والتواصل ككنيسة جامعة رسولية، فيبادروا الى تحقيقها وطي صفحة الماضي المؤلم وخصوصاً أن ثمة بياناً لاهوتياً مشتركاً حول الإيمان والاسرار المقدسة. هذه الوحدة ستحافظ على إرث كنيسة المشرق وتمنحها الحصانة تجاه التحديات ومخاطر التشتت والذوبان وفقدان الهوية.