موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ فبراير / شباط ٢٠٢٣
البطريرك الراعي يترأس قدّاس اليوم الأوّل من الجمعيّة السينودسيّة القاريّة

أبونا :

 

ترأس البطريرك الماروني، ورئيس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، الكاردينال بشارة بطرس الراعي، مساء الاثنين 13 شباط 2023، قدّاس اليوم الأوّل من الجمعية السينودسيّة القاريّة للكنائس الكاثوليكيّة في الشرق الأوسط، وذلك في بازيليك العذراء سيّدة لبنان في حريصا.

 

وشارك في القداس البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، وبطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا، وبطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان، وبطريرك الأرمن الكاثوليك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان، وبطريرك الروم الكاثوليك يوسف العبسي، وبطريرك الأقباط الكاثوليك إبراهيم اسحق، ولفيف من الأساقفة والكهنة، إلى جانب الرهبان والراهبات والعلمانيين من لبنان وسورية ومصر والأردن وفلسطين والعراق ودول الخليج العربي.

 

 

وفيما يلي عظة البطريرك الراعي:

 

"لمَ أنتم خائفون هكذا؟ ولمَ ليس فيكم إيمان " (مر5: 40)

 

1. عاتب الربّ يسوع التلاميذ، عندما ارتعبوا أمام هول الريح والأمواج التي ضربت سفينتهم، وشعروا بأنّهم أمام خطر الغرق، فأيقظوه بخوف شديد. فسكّن الريح والبحر، وقال لهم: "لمَ أنتم خائفون هكذا؟ ولمَ ليس فيكم إيمان" (مر5: 40).

 

2. أراد يسوع إظهار أولويّة الإيمان. فالإيمان هو أساس كلّ معجزة يجريها الله. فمن دون إيمان لا مجال للمعجزة. فكم من مرّة أعلن الربّ يسوع الإيمان كفاعل أساسيّ لإجراء شفاءاته. هذا والد ذاك الفتى المصاب بداء الصرع الذي جاء يلتمس شفاءه من يسوع. فقال له الربّ: "إذا كنت تستطيع إن تؤمن، فكلّ شيء مستطاع للمؤمن" (مر 9: 23). ثمّ شفاه.  وهذا أعمى أريحا الذي طلب من يسوع "أن يبصر". فقال له: "إذهب إيمانك أحياك"، ولساعته أبصر وانطلق في الطريق (مر 10: 51-52). وها التلاميذ الذين رأوا التينة التي لعنها يسوع ما زالت يابسة، قال لهم: "ليكن فيكم إيمان الله". (مر 11: 22). وهذه المرأة النازفة التي لمست طرف رداء يسوع فتوقف نزيف دمها. قال لها الربّ:"يا ابنتي، إيمانك خلّصك، إذهبي بسلام" (لو 8: 48). أمّا تلاميذه الأحد عشر فعاتبهم، عندما "ظهر لهم ووبّخهم على قلّة إيمانهم، وقساوة قلوبهم، لأنّهم لم يصدّقوا الذين أبصروه قام" (مر 16: 14).

 

3. فيما يعاتب يسوع تلاميذه على قلّة إيمانهم، وقد عايشوه وسمعوا كلامه ورأوا معجزاته، فإنّه من ناحية أخرى يمتدح إيمان الذين ليسوا من ملّته، ولا من معايشيه، ولا من المتتلميذين له. مثل المرأة الكنعانيّة التي جاءت من ناحية صور وصيدا تلتمس منه بإلحاح شفاء ابنتها. فبعد أن امتحن إيمانها بقساوة قال لها: "يا امرأة عظيم إيمانك، فليكن لك ما تريدين". ومن تلك الساعة شفيت ابنتها" (متى 15: 28). ومثل قائد المئة الروماني الوثني الذي أرسل بعثة إلى يسوع القادم إلى بيته ليشفي عبده تنقل قوله: "يا سيّدي، لا تتعب لأنّي لست مستحقًّا أن تدخل تحت سقفي ...ولكن قل كلمة فيشفى فتاي ... فتعجّب يسوع منه وقال للجمع: "لم أجد حتّى في إسرائيل مثل هذا الإيمان!" وعادت البعثة فوجدوا العبد المريض قد شفي (لو 7: 6-7).

 

4. الإيمان عطيّة من الله، وفضيلة فائقة الطبيعة. هذا ما قاله يسوع لسمعان بطرس عندما أعلن إيمانه في قيصريّة فيلبّس بأنّه "المسيح إبن الله الحي"، فكان جواب يسوع: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، فإنّه لا لحم ولا دم أظهرا لك ذلك. لكن أبي الذي في السماوات" (متى 16: 17). الإيمان لكي يبقى حيًّا يحتاج إلى النعمة الإلهيّة الدائمة. ونحن بالصلاة وممارسة الأسرار وكلمة الله ننعشه ونغذّيه، ونعيشه بأفعالنا وتصرّفاتنا وسيرة حياتنا. هو ليس مجرّد تحليل فكريّ عقلانيّ. الإيمان هو الأساس لمعرفة أسرار الله. فكم نرى من أشخاص أميّين يعيشون الإيمان أكثر من علماء في اللاهوت!

 

5. ولكي نعيش آية تسكين الرياح وأمواج البحر، لكون الإنجيل ليس مجرّد قصّة من الماضي، بل واقعًا نعيشه مع تبدّل الأشخاص والأمكنة والظروف والأزمان، فيما "يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عب 13: 8)، لا بدّ من قراءة رمزيّة للنصّ الإنجيليّ. السفينة هي الكنيسة، ومدنيًّا الدولة. التلاميذ هم رعاة الكنيسة، ومدنيًّا المسؤولون السياسيّون. البحر هو العالم بوجهيه الفسيح والمحدود. الرياح والأمواج هي الصعوبات والمحن والإضطهادات والثورات والإحتجاجات.

 

في هذا الواقع الكنسيّ والمدنيّ لا خلاص لنا إلّا بيسوع المسيح، مخلّص العالم وفادي الإنسان. وهذا ما أعلنه بطرس بجرأة أمام رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل، بعد شفائه كسيح هيكل أورشليم، إذ قال: "إعلموا جميعكم أنّه باسم يسوع الناصريّ الذي صلبتموه وأقامه الله من بين الأموات، يقف هذا الرجل أمامكم معافى ... فليس إنسان آخر، وليس تحت السماء إسم آخر وُهب للناس، به تجب الحياة" (أعمال 3: 6؛ 4: 10-12).

 

6. الكنيسة السينودسيّة هي هذه السفينة التي تمخر بحر هذا العالم الهائج بأزمات الحروب وويلاتها، ومآسي الشعوب الفقيرة والمهجّرة والمهاجرة، وبأزمات الإلحاد والإيديولوجيّات والروح الماديّة والإستهلاكيّة التي تشوّه الإيمان وتخنقه في قلوب المؤمنين، وبأزمات التعليم اللاهوتيّ والأخلاقيّ المناهض لتعليم الكنيسة. كلّ هذه المسيرة السينودسيّة، على مستوى الإستشارات في العالم بالوثيقة التحضيريّة، واليوم على مستوى القارات بالوثيقة الخاصّة بها، وفي تشرين الأوّل على مستوى الجمعيّة العموميّة برئاسة قداسة البابا فرنسيس، إنّما تسعى إلى شدّ أواصر الشركة والمشاركة، بهدف تحقيق رسالتها بإعلانٍ أفضل وأشمل لإنجيل يسوع المسيح (وثيقة العمل للمرحلة القاريّة، 2). أعاننا الله على ذلك بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة لبنان وأمّ الكنيسة. فنرفع المجد والشكر للثالوث القدّوس الآب والإبن والروح القدس إلى الأبد، آمين.