موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٦ مايو / أيار ٢٠٢٠
البابا فرنسيس يبدأ سلسلة جديدة من التعليم المسيحي حول موضوع الصلاة

فاتيكان نيوز :

 

استهل البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي، للأربعاء 6 أيار 2020، بالقول: نبدأ اليوم سلسلة تعاليم جديدة حول موضوع الصلاة. الصلاة هي نفَس الإيمان والتعبير عنه. كصرخة تخرج من قلب الذي يؤمن ويتّكل على الله. لنفكّر بقصّة برطيماوس، شخصيّة من الإنجيل. كان أعمى وكان يجلس ليستعطي على جانِبِ الطَّريق في ضواحي مدينته، أريحا. ولم يكن شخصًا مجهول الهويّة، بل هو يملك وجهًا واسمًا: برطيماوس يعني "ابن طيماوس". سمع يومًا بأن يسوع سيعبر من هناك. في الواقع، كانت أريحا تقاطع طرق للناس، وكان يعبرها باستمرار حجاج وتجار. وبالتالي قرّر برطيماوس بأنّه سيفعل المستحيل لكي يلتقي بيسوع. وهكذا دخل هذا الرجل في الأناجيل كصوت يصرخ بأقصى قوّته. لقد كان أعمى ولم يكن يعرف إن كان يسوع قريبًا منه أو بعيدًا عنه، ولكنّه فهم ذلك من الجمع الذي بدأ يزيد ويقترب... ولكنّه كان وحيدًا بالكامل ولم يكن أحد يهتم لأمره. وماذا فعل برطيماوس؟ صرخ. استعمل السلاح الوحيد الذي كان يملكه: صوته. وراح يصرخ: " رُحماكَ، يا ابنَ داود، يا يَسوع!".

 

وأضاف: لقد كان صراخه المتكرّر يسبب الإزعاج، فَانَتهَرَه أُناسٌ كثيرونَ لِيَسكُت. لكنّ برطيماوس لم يسكت بل صاحَ أشدَّ الصّياح: رُحماكَ، يا ابن داود، يا يسوع!. إن تلك العبارة "يا ابن داود" هي مهمّة جدًا لأنّها تعني "المسيح"، وهي اعتراف ايمان يخرج من فم هذا الرجل المزدرى من قبل الجميع. ويسوع أصغى لصراخه. إن صلاة برطيماوس لمست قلبه، قلب الله وانفتحت له أبواب الخلاص. طلب يسوع من الناس أن يدعوه. فَأَلقى عنهُ رِداءَه ووَثَبَ والذين كانوا ينتهرونه أولاً ليسكت قادوه الآن إِلى المعلّم. فكلّمه يسوع وطلب منه أن يعبّر عن رغبته –وهذا أمر مهمّ– وعندها أصبحت الصرخة طلبًا: "أَن أُبصِر يا رب!". وبالتالي قال له يسوع: "اِذهَبْ! إِيمانُكَ خلَّصَكَ". ويعترف لذلك الرجل الفقير والضعيف والمُحتقر بقوّة إيمانه التي تجذب رحمة الله وقوّته. الإيمان هو أن يتحلّى المرء بيدين مرتفعتين وصوت يصرخ ليتوسّل عطيّة الخلاص. يؤكّد التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية أن "التواضع هو أساس الصلاة". إن الصلاة تولد من الأرض –التي منها يأتي التواضع– وتأتي من حالة ضعفنا ومن عطشنا المستر إلى الله. الإيمان –كما رايناه في برطيماوس– هو صرخة وعدم الإيمان هو خنق تلك الصرخة، ونوع من "التآمر". الإيمان هو اعتراض ضدّ حالة أليمة لا نفهم سببها؛ أما عدم الإيمان فهو أن كتفي بتحمّل وضع قد اعتدنا عليه. الإيمان هو رجاء بأننا مُخلّصين وعدم الإيمان هو الاعتياد على الشرّ الذي يُثقل علينا ويُرهقنا.

 

وقال: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، نبدأ سلسلة التعاليم هذه مع صرخة برطيماوس، لأنّه ربما في شخص مثله قد كُتب كلُّ شيء. برطيماوس هو شخص مثابر ولكن كان حوله أشخاص يقولون إنَّ التوسّل لا ينفع وبأنّه مجرّد صراخ بلا جواب وضجّة تزعج فقط لا غير وبأنّه عليه أن يتوقّف: لكنه لم يبق صامتًا ونال في النهاية ما أراده. هناك صوت يتضرّع في قلب الإنسان وهو أقوى من أي جدال معارض. صوت يخرج بشكل عفوي بدون أن يأمره أحد بذلك، صوت يتساءل حول معنا مسيرتنا هنا على الأرض ولاسيما عندما نكون في الظلمة: رحماك يا يسوع! أوليست هذه الكلمات محفورة داخل الخليقة؟ كلُّ شيء يطلب ويتوسّل لكي يجد سرُّ الرحمة تمامه الكامل. إن المسيحيين لا يصلون وحدهم بل يتشاركون صرخة الصلاة مع جميع الرجال والنساء، ولكن يمكننا أن نوسّع هذا الأفق أيضًا إذ يؤكّد القديس بولس أن الخليقة بأسرها: تئنُّ وتتمخّض. غالبًا ما يترجم الفنانون صرخة الخليقة الصامتة هذه والتي تنبعث من كل مخلوق وتظهر بشكل خاص في قلب الإنسان لأنَّ الإنسان هو "متسوّل لله".