موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٦ مارس / آذار ٢٠١٩
الإنسانية الجديدة هي في حالة إصغاء وحوار

المطران بيتسابالا :

النص الإنجيلي الذي يسرد رواية تجلي يسوع يقع بين إعلانين عن آلامه. أخذ يسوع يخبر تلاميذه أن مسيرته إلى أورشليم ستتم في الفصح. وبعد أول إعلان عن آلامه يصعد يسوع مباشرة إلى جبل عالٍ يشير إليه التقليد بجبل طابور. يجري هناك حدث التجلي الذي تضعه ليتورجية الصيام في كل عام ضمن قراءات الأحد الثاني أي بعد إنجيل التجارب.

يمكننا إعادة قراءة التجلي على أنه خبر مفرح لنا.

على جبل طابور، يكشف يسوع غاية حياة الإنسان ودعوته، وهي عيش خبرة المجد والكمال والعلاقة الكاملة مع الله. كل إنسان مدعو، بكل كيانه، أن يصبح وحياً للآب. نكتشف أن هذا كله لا تراه في العادة عين البشر. إنْ نظرنا بعين الجسد لن نكون قادرين إلا على رؤية واقعنا العابر والفاني. ولن نكون قادرين على نيل الحياة الأبدية. من ناحية أخرى، إن نظرنا بأعين الإيمان نستطيع أن نتمتع بالخبرة التي شهدها كل من بطرس ويوحنا ويعقوب وهي خبرة الأبدية.

يُخبرنا الإنجيل كيف يمكن تحقيق ذلك. الخطوة الأولى تكمن في الصلاة. نرى إشارة واضحة إلى الصلاة في بداية النص (لوقا ٩: ٢٩)، إلا أن الإشارة تتخلل ضمنيا النص كله، لأن لحظة النور هذه هي بمثابة حوار متواصل بين كل الأطراف حيث أن جميعهم يتكلمون وجميعهم يصغون. يحاور يسوع الآب عن طريق إصغائه إلى الشريعة والأنبياء في شخص موسى وإيليا. يسمع التلاميذ كلمة الآب الذي يدعوهم إلى الإصغاء للخبر السار أي لابنه الحبيب وهو يسير نحو أورشليم ويبذل نفسه عن الجميع.

الصلاة هي انفتاح متبادل أساسه السماع والإصغاء. وعليه فإن الإنسانية الجديدة هي انسانية في حالة إصغاء وحوار.

ولكن إلى ماذا يُصغي يسوع وما هي كلمة الآب القادرة، إن أصغينا إليها، أن تجعل الوجود يتجلى ويتحول ويكتمل؟

هذا ما نجده في الآية ٣٥: "وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: هذا هوَ ابنِيَ الّذي اختَرتُه، فَلَه اسمَعوا". الصلاة هي ببساطة التدرب على السماع، وسط الأصوات العديدة، إلى صوت الآب الذي يريد إخبارنا عن مشيئته وهي أنه يعرفنا ويختارنا ويحبنا ويجعلنا أبناء له. الإصغاء هو أن يتردد صدى هذه الكلمة في أعماقنا لندعها تصقل حياتنا ونظرتنا لأنفسنا وعلاقاتنا مع الناس.

بجانب الصلاة والإصغاء، التلاميذ مدعوون إلى الدخول في الغمام (لوقا ٩: ٣٤) والغيمة هي رمز الخوف؛ أمام التلاميذ وجه الرب المنير الذي يجب أن يتركوه ليدخلوا في ظلمة تختفي فيها كل المعالم وتُفقد السيطرة على الأمور.

إبان آلام المسيح سيدعى التلاميذ للدخول في هذا الغمام وهذه الظلمة. سيقومون بذلك وسط صعوبات كبيرة وسيختبرون عن كثب الفشل وعدم الإيمان والهروب.

لن يحصلوا على الحياة الجديدة بفضل قوتهم ولكن بقوة ذاك الذي لن يخضع لظلمة الآلام وسيخرج منها حياً ومنتصراً على الموت وقادراً على منح الحياة للجميع بصورة نهائية.

لا يتحقق السر الفصحي أي الحياة الجديدة إلا من خلال الثقة أي خبرة الاستسلام إلى الكلمة التي تخبرنا عن حب الله المجاني والفريد. يُعطى لنا زمن الصوم كي نستسلم لهذا الحب الفريد الذي يعرف كيف يحوّل و"يُجلّي" كل وجود ويحرره من الظلمة.