موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ٢١ فبراير / شباط ٢٠٢٠
الإكليريكي لويس سلمان يكتب: «لاهوت الإستقبال.. لاهوت النشامى»
في مفهوم النشامى الضيف هو «ضيف الله»، وهذا ما علّمنا إيّاه مسيحنا، وحذا حذوه أجدادنا. لقد تعلّمنا بأن تبقى ديارنا وقلوبنا مفتوحة للغريب قبل القريب؛ فكلنا إخوة لأبٍ واحدٍ في السماء
الإكليريكي لويس سلمان، من إكليريكية البطريركية اللاتينية في بيت جالا (فلسطين)

الإكليريكي لويس سلمان، من إكليريكية البطريركية اللاتينية في بيت جالا (فلسطين)

الإكليريكي لويس سلمان :

 

«إن الأردن هو بلد الإستقبال، وإحتضان اللاجئين هو خير دليلٍ على رحابة هذا الإستقبال» كان هذا ما قاله الأب رفعت بدر في محاضرة في المعهد الإكليريكيّ، تحت عنوان: «الكاهن رجل ثقافة». وأضاف، «علينا أن نعمل على صياغة لاهوت الإستقبال: لاهوتٌ محليّ يتناسب مع ثقافتنا. إذ أن ثقافتنا هي ثقافة الإستقبال، ولاهوت الإستقبال هذا هو ما يجب أن نعلّمه لأولادنا في كلّ زمان ومكان». لم يمرّ مصطلح «لاهوت الإستقبال» على مسمعي مرور الكرام، بل كان له صدىً تردّد في قلبي قبل أن يتردّد في عقلي.

 

رحابة الإستقبال هي بوابة الشفاء، فلا يمكن أن يُشفى الإنسان إن لم يتأكد بأنّه في حضن يوفر له الأمان: وهذا الحضن لا يحتاج إلى المال، بل يحتاج إلى التضامن وتقدير الحياة. فالحياة ليست مقتصرة على المقرّبين منا، بل هي حقٌ عامٌ لكلّ أبناء الله. وهذا ما نلحظه في أردننا الغالي الذي رغم الفقر، فهو غني بكرم ضيافته.

 

في مثل السامري الرحيم يخبرنا يسوع عن رجل «وقَعَ بِأَيدي اللُّصوص. فعَرَّوهُ وٱنهالوا علَيهِ بِالضَّرْب. ثمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت» (لوقا 30:10). هذا الرجل هو لاجئ اليوم، الذي سُلِبَ منه كل شيء، أفليس من حقه أن نفتح له أبوابنا نحن الذين نمتلك المأوى؟ أم نتركه بين حيٍّ وميت، وإن مات، نغسل أيدينا بدمائه قائلين: ما ذنبُنا؟

 

يعلمنا المسيح في مثل السامري الرحيم، أن قريبي هو ليس فقط من تجمعني به قرابة الدم، أو من قررتُ أنا أن أحبه، بل قريبي هو كل إنسان رغم إختلافاتنا العديدة. والتاريخ يشهد لشعب الأردن منذ القدم لأنّ ضيافة الغريب هي سمة متجذرة في أبنائه. فقد كان الكرم وتداً أساسياً في خيمة الأردنيّين، إذ ذاع صيتهم في صحراء العرب، ليُعرفوا منذ ذلك الحين بالنشامى؛ فهم أهل النخوة الذين لا يحسبون تكاليف الضيافة، بل يحسبون أن إكرام الضيف هو من إكرام الله.

 

لاهوت الإستقبال هو لاهوت عدم الخوف من الآخر، فلا يخاف أحد من غيره إن عرف هو ذاته؛ فلا يخاف النشميّ من الآخر لأنه يعرف من هو! لم يتوانَ ذلك السامري حين رأى الرجل المسكين «فدَنا منه وضَمَدَ جِراحَه، وصَبَّ علَيها زَيتاً وخَمراً، ثُمَّ حَمَلَه على دابَّتِه وذَهَبَ بِه إِلى فُندُقٍ واعتَنى بِأَمرِه.» (لوقا 34:10). نتعلم من السامري أن الإستقبال لا يميز بين عرقٍ أو دين، بل أن النخوة هي أولاً مع الغريب الذي بإستقباله يصبح قريباً. ونتعلم أيضاً أن نكون على يقين بأن هذا الشخص المتألم ينتظر أن يرى فينا نور المسيح، من خلال جباهنا المشرقة برحابة الإستقبال. إذاً دعونا إخوتي وأخواتي نترجم كلّ ما تلقيناه من حُب المسيح إلى فعل دنوّ وإعتناء وتضميد، تجاه كل من يئن متألّماً في هذه الأيام.

الأمير الحسن يلتقي مجموعة من العراقيين المسيحيين في عمّان، بعدما فتح الأردن أبوابه لاستقبالهم، هربًا من اضطهاد داعش (أيلول 2014)

في مفهوم النشامى الضيف هو «ضيف الله»، وهذا ما علّمنا إيّاه مسيحنا، وحذا حذوه أجدادنا. لقد تعلّمنا بأن تبقى ديارنا وقلوبنا مفتوحة للغريب قبل القريب؛ فكلنا إخوة لأبٍ واحدٍ في السماء، فليس هناك غريب إلا بتصنيف العنصريين المفرّقين. ولاهوت الإستقبال هذا لا يُحتكر تطبيقه على اللّاجئين فحسب؛ بل أيضًاً على كثيرين لم يفقدوا موطناً أرضياً، إنما فقدوا الثقة والأمان في عالم مزيّف مهتز. فهم يلجأون إلى قلوبنا موطناً، وهم في أمسّ الحاجة إلى رحابة صدرنا، وإلى إصغاء قلوبنا قبل آذاننا.

 

لذا فلاهوت الإستقبال هو «لاهوت النشامى»: النشميّ الذي لا يهاب ولا يشكو العوز لتبرير عدم الإستقبال، بل يعلم جيداً ما معنى الأخوّة بتقاسم الزاد. كن نشمياً يستقبل بفرح كل قارعٍ لباب قلبك.