موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٢ أغسطس / آب ٢٠١٦
الإرهاب وأصوات ضد الخوف

إميل أمين :

في أعقاب هجوم "نيس"، ارتفعت أصوات كثيرة من الداخل الأوربي، لاسيما من أنصار اليمين المتطرف بالتهديد والوعيد، لكل من هو وما هو مخالف عقائديا أو ذهنيا، للسيادة العرقية الاوربية، ومعني ذلك أنهم يروجون للخوف ولو من منطق "القوة الخائفة" ، بالضبط كما فعلت السياسات الأمريكية طوال الخمسة عشر عاما المنصرمة غير أنه ومن حسن الطابع لا يزال هناك أناس من الذين وصفهم المفكر الإسلامي الكبير "عبد الرحمن الكواكبي" بالقول: "انهم ينبهون الناس ويرفعون الالتباس ولا ينفكون حتي ينالون ما يقصدون".

من بين هؤلاء خرج عاليا صوت الكاردينال "أنجلو بانياسكو" رئيس مجلس الأساقفة الإيطاليين، والذي وأن نصح بضرورة اليقظة والانتباه والحذر إلي أقصي حد ممكن إنسانيا، إلا أن نصيحته للأوربيين بشكل خاص هي "عدم الاستسلام للخوف" وأن "الشعور بالخوف يجب إلا يضللنا ويبعدنا عن الحلول الجيدة والسلوكيات الصحيحة والمناسبة، حتي بما يتعلق بالحالات الصعبة والمعقدة مثل هذه.

في مقدمة الرؤي التى تطرحها "حاضرة الفاتيكان" علي نحو خاص لمجابهة تيارات الإرهاب والمذهب الفتاك، يأتي الحوار العميق الإيجابي بين أتباع الأديان، وهذا ما ذهب إليه المطران "أيوزو غيكسوت" أمين سر المجلس البابوي للحوار ما بين الأديان، ففي تعليقه علي العمل الإرهابي في "نيس" شدد علي ضرورة أن يبذل أتباع مختلف الديانات وبالتعاون مع الخاص ذوي الإرادة الطيبة الجهود الحثيثة من أجل بناء التناغم الاجتماعي والتعايش السلمي، مع إيلاء اهتمام خاص بكرامة كل كائن بشري.

لم يدع المطران "أيوزو" إلي الحلول العاطفية، ولم يلجأ إلي التصريحات العنترية الجوفاء التى تطلق هباء منثورا في الهواء، فالرجل المسئول الكبير في قلب المؤسسة الكاثوليكية، أعتبر أن "الحوار بين الأديان يكتسب أهمية حيوية ويقتضي أن يلتزم به جميع القادة الدينيين وأتباعهم.

والمثير للتأمل أن تلك التصريحات أدلي بها المطران "أيوزو" لصحيفة "أوسيرفاتوريه رومانو" الفاتيكانية، بعد عودته من مصر وزيارته للأزهر الشريف، من أجل العمل علي دفع واستئناف الحوار بين المجلس البابوي للحوار ما بين الأديان، وجامعة الأزهر، والعمل علي زخم الحوار الصادق والمتميز بين هذه الدائرة الفاتيكانية والمؤسسة السنية الدينية العريقة، ومؤكدا علي ضرورة قيام تعاون يحرص علي خير الإنسانية ويوطد العلاقات بين المسيحيين والمسلمين حول العالم.

يعني المشهد المتقدم أنه وفي ظل تعرض أوربا لهجمات إرهابية، هناك من يفكر بطريقة إيجابية تقدمية خلاقة تسعي لمسارب من الأمل، بعيدا عن نيران المدافع أو فوهات البنادق، الأمر الذي يتطلب كذلك مواقف ومبادرات عربية وإسلامية واضحة وقاطعة الدلالة، في مناهضة التطرف والإرهاب، عبر تاكيد قيمة التسامح في نفوس أبناء الأمة عن طريق التربية والمناهج العلمية، والتى تقود إلي قناعات بأهمية الأخر، وحقه في الوجود وحفظ نفسه وماله وعرضه، بل والتلاقي معه، وهذا بداية خيط الحوار علي الأرض بين العوام، وحتي لا تكون دعوات الحوار والجوار قاصرة علي الطبقة الفكرية الراقية من أتباع الأديان، وبعيدا عن الشباب الذين يعتبرون ومن أسف شديد وقودا لتلك المحرقة الفكرية الجديدة.

يلزمنا التذكير هنا بأن التسامح في الإسلام ليس مجرد قيمة نظرية أو شعار لا مضمون له، وإنما كان وسيظل واقعا معاشا له رسوخه في العقول ومكانته في القلوب وجذوره في التاريخ.

في مؤلفه العمدة "الفكر الديني وقضايا العصر" يحدثنا المفكر المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق عن الإرهاب الذي يمثل ظاهرة عالمية يكتوي بنارها الجميع من كل الأديان والحضارات، ولذا فالأمر يعني بالنسبة إليه حتمية تضاد الجهود والتعاون الوثيق من أجل القضاء علي كل الأسباب التى تؤدي إلي الإرهاب وتساعد علي انتشاره.

والثابت أن مثل هذا التعاون لن يتحقق علي نحو فعال إلا إذا كان هناك تفاهم مشترك وإدراك حقيقي بحجم الأخطار التى تهدد الجميع والتى لن ينجو منها أحد.

وللوصول إلي هذا التفاهم المشترك لابد من الحوار بين الأديان وأتباعها والحضارات وأبناءها، فهذا الحوار هو السبيل القويم لدعم قيمة التسامح والتعايش بين البشر ولمواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب، ودرء المخاطر التى تهدد البشرية، وتهدد الحضارة والأديان اللذين يمثلان صمام الأمان وحصن السلام للبشرية جمعاء.

ولعل الحقيقة التى لا مراء فيها هي أنه ليس هناك من شك في أن عالمنا المعاصر، في أشد الحاجة إلي التضامن الفعال من أجل درء خطر الإرهاب، والقضاء عليه حتي يعم السلام في هذا العالم الذي نعيش فيه والذي هو عالمنا جميعا.