موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الخميس، ٢١ ابريل / نيسان ٢٠١٦
الأخلاق والسلم الاجتماعي

د. صلاح جرّار :

لا يخفى على أحدٍ أن الدول التي يلتزم أبناؤها بالأخلاق ويحافظون على القيم والمبادئ هي أكثر الدول استقراراً وأمناً وتطوّراً، ما لم تكن المحن التي تصيبها نتيجة كوارث طبيعية أو ما شابهها. ولعلّ دولاً مثل اليابان والصين وسنغافورة وبعض دول الغرب أوضح شاهد على ذلك. لأن التنشئة على الالتزام بالأخلاق والقيم ومشاهدة المرء للمحيطين به وهم يلتزمون بها تجعله يتشرّبها بصورة تلقائية ويلتزم بها مثلهم وينفر نفوراً شديداً من مخالفة أيّ منها.

ومن أهمّ ما ينتج عن الالتزام بالأخلاق الالتزام بالقوانين والأنظمة والقواعد والأصول المعمول بها التزاماً دقيقاً لا حياد عنه، ومتى التزم الناس –رعايا ومسؤولين- بالقوانين فإنّ كلّ فردٍ من أفراد المجتمع يكون قد ضمن حقوقه ولا يعتريه أيّ خوفٍ عليها، كما أنّه يضمن ألاّ تمتدّ يد أحدٍ من الناس على أيّ حقّ له، فيغدو بذلك آمناً مطمئناً، ومتى شعر الناس كلّهم بأنّ حقوقهم مصانة وأنّهم آمنون مطمئنون، فإنّ المجتمع كلّه يصبح آمناً ومستقرّاً ومتفرّغاً للإنتاج والتطوير والإبداع.

وممّا يؤدّي إليه الالتزام بالأخلاق أن يحاول كلّ فردٍ من أفراد المجتمع أن يضفي السعادة على من حوله متى استطاع إلى ذلك سبيلاً، حتّى يقابلوه بمثل ذلك أيضاً، فيفعل الخير ويحسن إلى الناس ولو بالابتسامة في وجه أخيه التي هي صدقة أو إماطة الأذى عن الطريق أو غير ذلك من صور السلوك التي تترك أثراً إيجابياً في نفوس الآخرين، وتخفف من قسوة ما يواجهونه من عوارض الحياة، وترسخ الثقة بين أبناء المجتمع. ومتى رأى الفرد في المجتمع أن كلّ من حوله –حسبما يقتضيه الالتزام بالأخلاق- على هذه الصورة من السعي لمصلحة الآخرين فإنّه لا يملك إلاّ أن يحافظ على هذا المجتمع ويتمنى سلامته وأمنه ويتجنب كلّ ما يخلّ بسلامته، وبذلك يشيع السلم الاجتماعي.

ومن مظاهر الالتزام بالأخلاق والقيم السائدة أن يسعى المرء إلى إظهار كلّ شيء بمظهر جميل لائق: جمال السلوك وجمال القول وجمال المظهر وجمال البيئة، فيصبح كلّ شيء يحيط بالمرء وبالناس جميلاً، والجمال يبعث على راحة النفس مثلما يبعث على الاستقرار والحرص على بقاء كلّ شيء جميلاً أو زيادة جماله.
ومن نتائج الالتزام بالأخلاق انتشار الأمانة والإخلاص في العمل وإتقانه، والالتزام بالمواعيد واحترام الوقت، ممّا ينعكس على جودة الإنتاج وزيادته، ويحقق الرفاه للناس ويوفّر لهم أسباب الحياة السعيدة، ويؤدي إلى الاستقرار والطمأنينة والسلم الاجتماعي.

وفي مقابل ذلك فإنّ التخلّي عن الأخلاق والقيم السائدة في المجتمع والسكوت عن مثل هذا التخلّي سوف يهدّدان قطعاً السلم الاجتماعي ويعيقان حركة التطور والنهوض والبناء ويحرمان المجتمع من فرص التماسك والتلاحم والتعاون وتحقيق الرفاه والسعادة للناس.

ومن هنا فإنّ على المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية والدينية أن تولي اهتماماً كبيراً لهذا الجانب، وتشدّد في سياساتها واستراتيجياتها وخططها وقوانينها على ضرورة تعزيز مكانة الأخلاق والقيم في عملها، لأنّ الأخلاق هي المسؤولة عن تعزيز الانتماء للوطن وتحقيق العدالة وإشاعة الرضا والمحبة والسلم الاجتماعي.