موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٩
الأحد الثاني والثلاثون من الزمن العادي، السنة ج

المطران بيتسابالا :

تجري أحداث النص الإنجيلي لهذا الأحد (لوقا ٢٠: ٢٧- ٣٨) في سياق يختلف عن الآحاد الماضية.

حتى هذه اللحظة رافقنا يسوع في مسيرته نحو أورشليم. أما اليوم فنراه يدخل المدينة المقدسة.

في الفصل العشرين من إنجيل لوقا وفي مكان الهيكل يعرض الإنجيلي عدة مجادلات بين يسوع والكتبة والفريسيين، واليوم مع الصدوقيين. يتناول النقاش عدة مواضيع، إن قُرئت بجملتها فستساعدنا على الحصول على رؤية أشمل لموضوع القيامة الوارد في نص اليوم.

يبدأ النقاش أولًا عن سلطة يسوع (آية ٢)، حيث يجيب مشيرا إلى يوحنا المعمدان ودوره النبوي (آيات ٣- ٨)، ثم يتبع ذلك مَثَل رب الكرْم والكرامين القتلة (آيات ٩- ١٩) الذي يشير إلى يسوع وقدومه إلى أورشليم وموته بالرغم من كونه أعظم نبي على الإطلاق. بعد ذلك يتكلم يسوع عن أداء الجزية لقيصر (آيات ٢٠- ٢٦) ذلك لأنه سيُسلّم للرومان ليتم إعدامه، ثم يأتي انص اليوم حول القيامة (آيات ٢٧- ٤٠) يليه السؤال حول شخص داود. يقول يسوع إن المسيح سيكون ابن داود وربّه (آيات ٤١- ٤٤).

إن جميع هذه النصوص مهمة في حد ذاتها، ولكن إن قُرئت بجملتها فإنها تروي بإيجاز أحداث حياة يسوع ورسالته وموته وقيامته. تمثل هذه النصوص موجزًا للإنجيل فنرى كيف أعلن يوحنا المعمدان أن يسوع هو المسيح المنتظر. أما مَثَل الكرمة فيمثّل خدمة إعلان كلمة الله بفم الأنبياء الأوائل وأخيرًا بفم الابن. يعلن يسوع الخبر السار في مدن الجليل واورشليم ويسأل الكرّامين قبوله إلا أنهم يرفضونه ويحكمون بذلك على أنفسهم. كما يُسلّم إلى رجال قيصر ليتم إعدامه وفي اليوم الثالث يقوم من بين الأموات. بعد قيامته يدرك التلاميذ أن يسوع ليس ابن داود والمسيح المنتظر فحسب، بل هو رب داود أيضًا (آية ٤٤).

في هذا السياق نستشف من النص الإنجيلي الذي يتحدث عن القيامة ما سيكون مصير يسوع.

في هذا النص يحاوره الصدوقيون (لوقا ٢٠: ٢٧). حتى الآن كان يسوع قد تجادل مع الفريسيين في مواضيع أخلاقية تتعلق بتفسير وتطبيق الشريعة.

أما مع الصدوقيين، فالحوار لا يأخذ طابعا أخلاقيا. الصدوقيون هم مجموعة أرستقراطية لم تعترف إلا بأسفار موسى الخمسة ورفضت كل التقاليد الشفوية للفريسيين وكلّ فتاويهم.

لم يؤمن الصدوقيون بالقيامة (لوقا ٢٠: ٢٧) وعليه كان سؤالهم ليسوع هو استفزاز واستخفاف بموضوع القيامة وكأن لا معنى لها وليست حلًا لمشاكل الحياة.

الصدوقيون غير مؤمنين بالقيامة ويسردون رواية موت هفي ذات الوقت رواية ألم لا يجدي فيها نفعًا محاولات الإنسان للتغلب على الموت.

في الإجابة على استفزازهم يقول يسوع قبل كل شيء أنه يؤمن بالقيامة وأن الإيمان بالقيامة ليس نتاج نقاشات فلسفية، بل تنبع من كوننا أبناء الله (لوقا ٢٠: ٣٦): "فلا يُمكِنُ بَعدَ ذلك أن يَموتوا، لأنّهُم أمثالُ الملائِكة، وهُم أبناءُ الله لِكَوْنِهِم أبناءَ القِيامة."

وعليه، فإن الإيمان بالقيامة يتطلب الثقة. هي الثقة بأب صالح لا يهجر أبناءه، لا بل يقدر على سحق عدو الحياة، أي الموت.

يقول يسوع أيضًا إن هناك طريقة أخرى للحياة. إن الإيمان بالقيامة يمنح الإنسان من الآن فصاعدًا إمكانية عيش حياة مختلفة، تمكنه من أن يبقى بعيدًا عن الخوف من الموت، لأن الموت هو العدو القادر على جعل الحياة كئيبة على غرار حياة المرأة التي تكلّم عنها الصدوقيون، والتي كانت تحاول أن تأخذ من الموت جزءًا من سطوته.

يبدو وكأن يسوع يقول إن ذلك لم يعد ضروريًا لأن كل من يثق بالآب سيبقى حيًا ولا يمكن أن يموت (لوقا ٢٠: ٣٦)، وليس عليه أن يقلق لاستمرارية حياته لأنه يستطيع منذ الآن أن يتذوق حياة لا تعرف الموت.

إن العلاقة مع الله هي ضمانة قيامتنا. الأمر صحيح مع يسوع أيضًا. في هذا الساعة التي يقترب فيها من موته، يسوع ينتصر على الموت بسبب علاقته مع الآب وطاعته وثقته.

إن الافتقار إلى الثقة يقود الإنسان إلى البحث لنفسه عن طريق للحياة، ويجعله يبتعد عن الآب ويقع في الموت. أما الثقة بيسوع فتُبقي على علاقة مع الله إلى الأبد. وهذا الأمر يضمن الحياة. كل شيء لا يتعلق بالله ولا ينسجم في علاقة معه ويكتفي بالطبيعة والشريعة سيموت. ليس من المصادفة أن يقتبس الصدوقيون موسى والشريعة.

إلا أن الشريعة ليست قادرة على قهر الموت. وفي موضوع المرأة تحاول الشريعة تفاديه بطرق سخيفة.

إن من يثق ويضع حياته بين يدي الله كما فعل يسوع على الصليب لا يمكن أن يموت بعد ذلك.