موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
الأحد التاسع والعشرون للزمن العادي ج

المطران بيتسابالا :

(لوقا ١٨، ١- ٨)

في إنجيل القديس لوقا يتكرر موضوع الصلاة، سواء كان ذلك بالنسبة إلى يسوع، الّذي ينزوي في مناسبات مختلفة للصلاة، أو بالنسبة إلى التلاميذ الّذين يطلبون من يسوع أن يعلّمهم الصلاة، وبدورهم هم مدعوون إليها.

يشير مثلان من أمثال يسوع، بطريقة خاصة، إلى الصلاة: أحدهما هو المثل الّذي استمعنا اليوم إليه، والمثل الآخر موجود في الفصل ١١ (لوقا ١١، ٥- ٨).

في كلا المثلين يحدث شيء غير متوقع: في لوقا 11 نجد رجلاً يأتيه صديق ليلاً، وليس لديه ما يُقدمه له. ولذلك يذهب إلى صديق آخر ويطلب منه بإلحاح بعض الطعام. هذا الأخير، يرضخ، ليس عن كرم ولكن أمام إلحاح الصديق، فينهض في مرحلة ما من فراشه كي يُقدم له شيئاً ما.

إنّ البطل في المقطع الإنجيلي لهذا الأحد هو قاض ظالم. وبسبب انزعاجه من إلحاح أرملة تلجأ إليه باستمرار، يُقرر أن يُنصفها.

في كلا المثلين، يفعل البطلان ما يُطلب منهما القيام به بشكل مُخالف لرغبتهما. وبذلك يشيران من بعيد إلى الآب السماوي. ولكنه، بخلاف القاضي والصديق، يعطينا الأشياء الصالحة عن طيبة قلب لأننا أبناؤه (لوقا ١١: ٩- ١٢) ويعطينا إياها على الفور (لوقا ١٨: ٧).

نستنتج من تعاليم يسوع، أن الصلاة يجب أن تكون مثابرة، ولكن لا تتوقف الاستجابة على إلحاح المصلين.

وإذا كان الأمر كذلك ما هي ضرورة الإلحاح في الصلاة؟

ما يريد يسوع أن يفهمنا إياه هو أن الصلاة الطويلة ليست ما يُقنع الآب السماوي كي يمنحنا شيئًا ما: إن الربّ حر تمامًا وكريم جدًا في الوقت نفسه.

ما يريده يسوع هو أن يحوّل انتباهنا نحو "دورنا"، كمصلين. ويخبرنا بشكل أساسي أنه يجب علينا أن نتعلم أن نطلب، أي أن نعيش في موقف من التوقع الثابت، ومن العوز، ومن الاعتماد. وهذه المواقف هي مواقف خاصة بالفقراء، مثل الأرملة، على وجه التحديد، أو مثل موقف الصديق الّذي ليس في بيته أي شيء يقدمه للآخرين.

إذا كان الآب السماوي هو الشخص الذي يعطي دائمًا، فإن الإنسان هو الذي يتقبل دائماً: هذا هو الإلحاح الذي نحن مدعوون إليه، والذي لا يتعلق كثيرًا بتكرار لا نهاية له لنفس الطلب، بل بالوقوف أمام الرب بثقة مستمرة، ومُلحّة، بثقة لا حدّ لها.

وهذا، بالتالي، ما يحدث ضمن معاثر الحياة. والحياة ليست أبدًا عادلة. في الواقع، تضع الحياة أمام عيوننا معثرة الشر، ومعاناة البريء، والظلم. وفي مواجهة كل هذا، هناك احتمالان: إمّا التمرد، والاستسلام لتجربة اتهام الربّ بالشر الذي نراه أمامنا؛ أو أن نصلي، كي تكون عيوننا قادرة على رؤية الطريقة الأصلية المطلَقَة التي اختار الله بها "أن ينصف" (لو ١٨: ٧)، ألا وهي موت المسيح وقيامته.

بهذا الشكل، تصبح معثرة الظلم تحديدًا مكان ولادة الصلاة. هناك نتعلم كيفية استجابة الرب لنا. لا يفعل الرب ذلك بحسب المنطق البشري، كما قد رأينا مرارًا على امتداد إنجيل لوقا، وما سوف نراه عند ختام مسيرة يسوع نحو أورشليم، حيث سيتم سماع كل صلاة بشرية والاستجابة لها.

ولذلك، في الوقت الذي فيه قرر القاضي والصديق أن يُرضيا سائليهما كي يتحررا من إزعاجهما، فإن الأمر هو عكس ذلك تمامًا بالنسبة للآب السماوي: لا يستجيب الربّ كي يتخلص منا، بل من أجل أن يبقى معنا، لأنه ينفعل أمام آلامنا، ويستمع إلى صلاتنا التي تتطلب عدم التخلي عنا.

من واجب الإنسان الإلحاح والتحلي بالثقة: هذا هو الإيمان الذي يريد يسوع أن يجده، عندما يعود إلى الأرض. ويتساءل هو نفسه في الآية الأخيرة من المقطع الإنجيلي اليوم (لوقا ١٨: ٨): عندما يعود الى الأرض، هل سيجد أشخاصاً يعرفون كيف يبقون في حالة من العوز، وينتظرون بأمل، ويثقون بالآب الصالح ويعهدون بأنفسهم إلى عنايته الأبوية؟