موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٠ مايو / أيار ٢٠١٩
الأب خوري: فانييه أدخل قيمة أساسية في الثقافة المعاصرة وهي ’الحنان‘

حاوره ساهر قواس لمكتب البطريركية اللاتينية :

<p dir="RTL">توفي جان فانييه يوم الثلاثاء ٧ أيار ٢٠١٩ عن عمر يناهز ٩٠ عامًا في باريس. كان جان فانييه قد أسس مؤسسة وجماعات <span dir="LTR">L&rsquo;Arche</span> التي تنتشر اليوم في ٣٨ دولة، والتي تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة وتساعدهم على الاندماج في المجتمع.</p><p dir="RTL">وما لا يعلمه الكثيرون هو أن المرحوم جان فانييه كانت قد جمعته صداقة عميقة مع الأب رفيق خوري، الذي وافق الحديث مع مكتب إعلام البطريركية اللاتينية للتكلم عن ما وصفه بشاهد لحبّ الله للبشرية المجروحة والهشّة في العصر الحديث.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>لقد جمعت بينك وبين المرحوم جان فانييه صداقة عميقة. هل بوسعك الحديث عن المرة الأولى التي قابلته فيها؟ وبماذا اتصفت؟</strong></span></p><p dir="RTL">كنت أعرف جان فانييه قبل أن اقابله، وذلك من خلال كتاباته، التي كانت موضع تأمل لديّ. أمّا المرة الأولى التي قابلته فيها، فكانت في إحدى زياراته الأولى للأرض المقدسة في بداية الثمانينيّات. وفي هذه المناسبة، ألقى محاضرة في معهد طنطور المسكوني في بيت لحم، وقد قمتُ أنا نفسي بالترجمة الفورية لهذه المحاضرة. عندها شعرت بقوّة، وأنا أقوم بالترجمة، أنّ شركة عميقة حصلت بيني وبينه، لما كان لكلماته من وقع عميق في نفسي. وبعد ذلك، ودائمًا في بداية الثمانينات، جاء لزيارة حجّ إلى الأرض المقدسة مع مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكنتُ حينها رئيسًا للمعهد الاكليريكي، فاستضفنا المجموعة مع جان فانييه في المعهد الاكليريكي في بيت جالا، وقضينا معه ومرافقيه أمسية لا تُمحى من ذاكرتي. منذ ذلك الوقت، توطدت هذه الصداقة بيني وبينه، وهي الصداقة التي أعتبرها إحدى نِعَم الله لي، لأنّه أعطاني الكثير. بينما كان على فراش المرض في السنة الأخيرة، وصلتني منه رسالة قصيرة يقول فيها: &quot;غالبًا ما أصلي من أجلك. أشعر أنّني قريب منك، مع كلّ ما تعيشه وكلّ ما يعيشه شعبك&quot;.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>ما هي الصفة التي ميّزت المرحوم جان فانييه؟</strong></span></p><p dir="RTL">أعتقد أن المرحوم جان فانييه أدخل في الثقافة المعاصرة قيمة أساسية، وهي الحنان. في عالم قاسٍ لا يعرف الرحمة، زرع قيم الحنان والرحمة والحبّ. وكان يعيش هذا الحنان ويعبّر عنه بكلّ كيانه. صحيح أن جان فانييه درس الفلسفة في بداية حياته، ولكن هذا الحنان تعلّمه عبر عيشه مع ذوي الاحتياجات الخاصة. فقد قرر أن يترك كلّ شيء ويعيش معهم، يقاسمهم حياتهم اليومية. ورسخت لديه القناعة بأن ذوي الاحتياجات الخاصة لا يأخذون فقط، ولكنّهم أيضًا يعطون. لقد دخل في عمق وجدان ذوي الاحتياجات الخاصة الذين كان يعيش معهم، وفجّر فيهم الطاقات الكبيرة الكامنة فيهم، خاصّة طاقة الحب. وفي نفس الوقت، ساعده ذوي الاحتياجات الخاصة على التحرّر الداخلي التدريجي من الأنانية وحب الذات والسيطرة، ليحلّ مكانها العطف والحنان وبذل الذات والمجانية. لقد كان جان فانييه شاهدًا كبيرا لحبّ الله للبشرية المجروحة والهشّة في العصر الحديث.</p><p dir="RTL"><span style="color:#006699;"><strong>أسّس جان فانييه مؤسسة وجماعات </strong><strong><span dir="LTR">L&rsquo;Arche</span></strong><strong> التي تنتشر اليوم في ٣٨ دولة، إذ تعمل على الاعتناء بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتغرس فيهم روح المسؤولية. ما هي البصمة التي تركها جان فانييه في حياة من التقى بهم؟</strong></span></p><p dir="RTL">ما يميزّ عمل جان فانييه هو أنّه لم يعمل من أجل ذوي الاحتياجات الخاصة فحسب، بل عاش معهم، يقاسمهم الحياة اليومية بكلّ جوانبها. وفي هذه الحياة المشتركة كان يعطي، ولكنّه كان أيضا يغتني بهذا اللقاء اليومي مع ذوي الاحتياجات الخاصة. وعلى هذا النمط تعيش جماعات <span dir="LTR">L&rsquo;Arche</span> في كل أنحاء العالم. فالمرافقون يقاسمون ذوي الاحتياجات الخاصة حياتهم اليومية بكل جوانبها (الصلاة، العمل، الطعام، العيد، الفرح&hellip;). ولقد كتب جان فانييه الكثير من الكتب حول خبرة حياته مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن هذه الكتب ما نُقل إلى العربية، ومنها &quot;لا تخف&quot;، &quot;الجماعة صفح وعيد&quot;، &quot;أتجرّأ على الإيمان بالحب&quot;. وقد جمع الكاتب اللبناني أديب مصلح مجموعة واسعة من كتاباته في كتاب واحد من ٧٥٥ صفحة بعنوان &quot;جان فانييه وسفينته&quot; (منشورات المكتبة البوليسية، ٢٠٠٣). كان جان فانييه يترك أثرًا بليغًا في جميع الذين عرفوه، لما كان يحمل في طيّات شخصيّته من القيم الانجيلية الأصيلة العابقة بالإنسانية. أعتقد أن المرحوم جان فانييه لا يموت في قلب من عرفوه وأحبّوه.</p>