موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٦ فبراير / شباط ٢٠١٨
إميل أمين يكتب: تهويد القدس.. أمس ’الأقصى‘ واليوم ’القيامة‘

القاهرة - إميل أمين :

إلى أين تمضي إسرائيل في مشروعها الكولونيالي على الأراضي في المدينة المقدسة؟ تساؤل تجيب عليه أقوال بن جوريون قبل نحو ستين عامًا: "لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا فائدة للقدس بدون الهيكل" وفي هذا السياق يدرك الناظر للمشهد ألمقدسي ماذا يعني مشروع "واجهة القدس" والذي يهدف قلبا وقالبا إلى عبرنة مدينة الآلام وتهويد ارض الأقصى المبارك بحيث تضحى المدينة يهودية الهوى والهوية.

هل ما تسعي إليه إسرائيل أمر مستجد أم انه حقد كامن تحت الجلد اليهودي تجاه المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس المحتلة؟

في أوائل عام 1989 نشرت مجلة "التايم" الأمريكية تحقيقًا تحت عنوان "هل آن أوان بناء الهيكل الجديد؟" وتبعته بعنوان فرعي يقول "اليهود التقليديين يأملون في تشييد بنائهم المقدس لكن مسجدا وقرونا من العداء تقف في طريقهم".

وفي تحقيقها قالت المجلة إن إعادة بناء الهيكل لم تكن قضية مثارة إلى أن استولت إسرائيل في سنة 1967 على جبل الهيكل وان إسرائيل نظرا لحرصها على صون السلام واصلت السماح للمسلمين بإدارة الموقع غير أن المسلمين لا يسمحون ليهودي أو مسيحي بإقامة شعائر الصلاة علنا على الأرض المقدسة في جبل الهيكل ولم يبدوا أدنى استعداد للسماح ببناء ابسط معبد يهودي أو كنيسة واقل إشارة إلى موضوع إعادة بناء الهيكل تثير استفظاع "أتباع النبي" الذين عقدوا العزم على الدفاع عن المقدسات الإسلامية إلى أخر قطرة من دمائهم.

وحسب الأطروحة الصهيونية البغيضة فان الأقصى يقوم اليوم مكان الهيكل لذا فانه ما من بديل إلا زوال الأقصى من الوجود حتى يفسح الطريق لبناء الهيكل ومن ثم إقامة الذبيحة التي توقفت عبر نحو ألفي سنة.

وعند اليمين الأمريكي المخترق صهيونيًا أن بقاء الأوضاع هناك على هذا الحال هو "وصمة عار" كما ذهب جيري فالويل الداعية اليميني قبل وفاته وعنده كذلك "إن كان هدم المسجد لبناء الهيكل مكانه سيشعل نيران حرب كبرى فليكن ذلك لان اليهود عندما جاؤا إلى أرضهم ارض الموعد وجدوا مسجدا والمرء لا يجد صورة لأورشليم إلا ويرى فيها ذلك المسجد وهذا وصمة عار في جبيننا جميعا ولذا يجب أن يزال ولسوف يبنى الهيكل الثالث مكانه ونحن يجب أن نفعل ذلك لنجعل العرب والعالم يرى أن اليهود أصحاب السيادة على كل ارض إسرائيل وليرى العالم وعود الرب تتحقق".

والراصد لما يدور على تراب فلسطين المقدسة عبر العقود الثلاثة الماضية يستطيع أن يدرك جدية الحديث ويرصد محاولات تدمير الأقصى إن كان بالحرق أو بالقصف أو من خلال أعمال الحفر والتنقيب أسفله.

ويتساءل المرء هل الأحقاد اليهودية ستتوقف عند المقدسات الإسلامية أم ستمتد إلى المقدسات المسيحية؟

لعل احدث فصول التهويد تلك التي تتعلق بكنائس القدس وقد فرضت عليها إسرائيل ضرائب تقدر بمبلغ 190 مليون شيكل أي قرابة ستين مليون دولار، ناهيك عن إمكانية سحب الأراضي والممتلكات التابعة للكنائس على الأراضي المقدسية بحجة عدم السداد، والهدف النهائي هو تفريغ القدس من سكانها المسيحيين مرة والى الأبد، الأمر الذي دعا قادة الكنائس إلى اتخاذ خطوة رمزية تتمثل في إغلاق كنيسة القيامة إلى أن ترتدع إسرائيل واغلب الظن انها لن تفعل، فيما يظل العالم الغربي الذي يطلق عليه المسيحي صامت صمت الذل والعار.

لا ينفصل مخطط إسرائيل الجديد بالنسبة لكنائس القدس عن الواقع التاريخي القديم الذي يؤكد على أن الأحقاد اليهودية تجاه المسيحية ومقدساتها قائمة هناك منذ عام 33 ميلادية وانه إذا كان اليوم هو موعد الأقصى فغدا يحل الدور ولا شك بكنيسة القيامة.

وحتى لا تكون الكلمات ضربًا من ضروب الرجم بالغيم فإننا نذكر دعاة اليمين المسيحي المخترق بالتقرير الصادر عن بطريركية اللاتين الكاثوليك في القدس والذي قام عليه المونسنيور" فيرجاني" في أعقاب حرب عام 1967 وفيه تظهر فظائع أعمالهم بما صنعوه بدير الآباء الفرنسيسكان في طبرية حيث دنسوا مصلى الكنيسة وقلبوا المذبح وكسروا تماثيل العذراء والقديس انطونيوس وهناك انزلوا تمثال السيد المسيح من على الصليب والقوا بقنبلة يدوية على باب الكنيسة ولم يكتفوا بذلك بل مزقوا الأردية الكهنوتية المقدسة والقوا بها على الأرض وفتحوا أوعية خبز القربان بالقوة وسرقوا كؤوس القربان وكسروا الصلبان"..

لماذا يضمر اليهود هذا الحقد وان لم يعلن للمقدسات المسيحية وان خفيت تلك الضغائن في حركات تكتيكية حتى يحين الوقت الملائم لتحقيق أهدافهم الإستراتيجية الكبرى؟

نقول انه ضمن أسباب كثيرة فان المقدسات المسيحية ووجودها يذكرهم بزيف دعوى بناء الهيكل ويبطل مقولة هدم الأقصى.. كيف ذلك؟

يرجع الأمر إلى نبؤة السيد المسيح ذاته الذي تقدم تلاميذه منه ليروه أبنية الهيكل فقال لهم" أما تنظرون جميع هذه؟ الحق أقول لكم انه لا يترك هاهنا حجر على حجر لا ينقض" والأصل في الثيؤلوجيات أن لا ينقض المكتوب.

ومعنى ذلك كما يقول شراح المسيحية ومفسريها الثقات أن الهيكل رمز مجد اليهود وفخرهم وزهوهم واستعلائهم على كل شعوب الأرض قد زال والى الأبد وان الخراب الذي حاق به سنة 70 ميلادية على يد القائد الروماني تيطس سيستمر إلى الأبد وان أي محاولة وكل محاولة لإعادة البناء ستؤول إلى الفشل وقد جرت أخر المحاولات في القرن الثالث الميلادي في عهد الإمبراطور الروماني يوليانوس المرتد الذي قرب اليهود إليه وخطط لإعادة بناء هيكلهم تكذيبا لنبؤة السيد المسيح غير أن ما يشبه البركان انفجر في وجوه العمال والتهمت النيران كل من وجد هناك ولم تجر آية محاولة منذ ذلك التاريخ.

المسيحية إذن تنافي وتجافي في مفاهيمها ومعتقداتها الإيمانية فكرة هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل الذي قيل أن أحجاره قد قطعت حسب المقاييس التوراتية وانه جرت تجربة تركيبه في ولاية أنديانا الأمريكية وفكه في خمسة أيام ثم شحنه إلى إسرائيل.

ومن هذا المنطلق فان المسيحية عدو لدود ومقدساتها كذلك يجب ألا تبقى إذا ما سدت السبل إلى بناء الهيكل حتى لا يبقى في ارض إسرائيل آية أثار مسيحية أو إسلامية.

أما التساؤل الأهم لماذا يغض اليمين المسيحي المتطرف النظر عن النوايا الحقيقية لإسرائيل وحكوماتها تجاه المقدسات المسيحية في الوقت الذي يشجعوا ويباركوا فيه الخطط الجهنمية الرامية لهدم الأقصى؟

نقول لان اليمين الأمريكي المتطرف يؤمن بان بناء الهيكل شرط لعودة المسيح ثانية وعندها سيتحول من تبقى من اليهود للمسيحية حتى لو جاء ذلك على حساب تضحياتهم بأية مقدسات مسيحية.

ويبقى قول علماء اللاهوت المسيحيين الأفذاذ "أن تجمع إسرائيل الآن ليس من إرادة الله في شيء لأنهم في سعيهم لذلك لا يطلبون وجه الله ولا يعتمدون على ذراع الرب أنهم مغمورون في جو قاتم من السياسة يتذللون للأمم الكبيرة في ضعة ومهانة يبتغون من وراءها السطوة والانتقام ، لقد ضلت إسرائيل وانخدع كثيرون من الكتاب العالميين والمسيحيين معتقدين أن تجمع إسرائيل نصرة للرب وفي عودة الصهيونية تكميلا للنبؤات".

هل الأقصى والقيامة وما جاوراهما من مقدسات إسلامية ومسيحية حقا في خطر؟

نعم وبكل تأكيد وتحديد وبدون خطة عربية إسلامية مسيحية لكشف زيف الدعاوى الإسرائيلية تكون منطلقاتها إنسانية وإيمانية في كافة أرجاء العالم يمكننا الجزم بأننا سنصحو ذات يوم ليس ببعيد على مدينة تبقى فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية أثرا بعد عين.