موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٩ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩
إلى سيادة المطران سليم الصائغ في اليوبيل الماسي لرسامته الكهنوتية

حنا ميخائيل سلامة نُعمان :

قبلَ عُقودٍ مَضت مِن الزمن، أشارت إليكَ المـَحَبة فاتـَّبعتـَهـَا، كنتَ وقتـَها بعد في بواكير العُمر يومَ همس الروح العـُلـْويُّ في مـَسـْمـَعِكَ: لقد اخترتكَ، وبإلهامٍ من الروح القُدس وبتدبيرٍ إلهي امتثلت وَلبَّيت الدعوة، وارتضيتَ بإرادَتِكَ تركَ الأهل والعشيرة ورفاق الصِّبا، وتركَ طبيعة "رميمين" الجميلة وأزاهيرها العَبِقة وينابيعها الصافية وهوائها الطَّلق لِتُشرِعَ شراعَك صوبَ ما هو أجمل وأشذى وأصفى وأنقى وأبقى.. مُستهلاً طريق الدراسة والمعرفة والارتقاء الروحي في المعهد الإكليريكي العريق، تلك التهيئة الرفيعة المستوى، والسامية الغرض بسنواتها الطويلة هي الأساس لتمضي في دعوتك الكهنوتية وتكون أهلاً للقَسَم الذي ما يزالُ صداهُ يتردَّدُ في الآفاق من قرونٍ من الزمن: "أنـْتَ كاهِنٌ إلى الأبدِ على رُتبـَةِ ملكي صادِق". وهكذا كرست نفسَك لخدمة مَن: "كلام الحياة الأبدية عنده"، ولتكون شاهِداً للحقِّ وناشراً للإنجيل بُشرى الخلاص، وراعِياً للنفوسِ تـُنـَمِّي محبـَّة الله فيها وتقودها إلى الملكوت السماوي.

لم تكـُنْ مسيرة العمر يَسيرة لكن من فوَّض أمره للسيد المسيح يتخطى بإيمانٍ وإرادةٍ التحديات والعقبات ولهذا اختارَكَ مَنْ لا يَخبو لهُ نورٌ ولا يتغيـَّر، الكلـّي الصلاح، لتكونَ شريكاً في عمل التوبة والخلاص، ومضيت من ستة عقودٍ، منها السنوات التي بارك الكرسي الرسولي فيها وقد شاءَ أن تتسَنَّم كرسي الأسقفية في الأردن، فكنت أباً للكُل تُقرب الناسَ إلى الله المحبـَّة وتفتش عن "الخروفِ الضـَّال" بحرارةٍ واهتمام أكثر مِن التسع والتسعين" في الحظيرة. تقيم القُدَّاسَات والرياضات الروحية دون انقطاعٍ -حتى بعد التقاعد- إلى جانب شعائر الأسرار المقدسة مِن العُماد إلى التثبيت إلى التوبة إلى الزواج إلى مسحة المرضى إلى سرّ الكهنوت، وتُجدِّد بسِر القربان المقدس ذبيحة العشاء الفِصحيِّ. تـُعلـَّـمُ وتَعِظ بما مُنِحتَ مِنْ مواهبَ على منابر الكنائس أنَّ "مَلـَكوتَ اللهِ في داخِلِ الإنسان". وكنت تخفف أعباء المتألمين، وتشدِّد الهِمم اليائسة، وتُتابع أحوالَ المرضى وتمنحهم الرَّجاءَ والأمَل طالباً أن يتمسكوا بشفاعة أمِّ المعونة الدائمة القديسة مريم العذراء.

واكب ذلك وغيره الكثير من المبادرات والمشاريع وأخصّ تلك المبادرة الخالدة التي جاءت مِن بَيدَر فِكرك وبُعد نظرك فأسَّستَ مشروعاً إنسانياً هو" مركز سيِّدة السَّلام" وأشرفتَ عليه ليرى النور رغم ضآلة الإمكانيات وما واجه المشروع في مراحلَ مِن صعوبات وعوائق. وَاهتَمَمّتَ به ولا تزال لخدمة شريحة من أبناء الوطن مِن أصحاب الإعاقات الجسدية ودون النظر إلى عقيدتهم أو أصلهم وغير ذلك، يحدوك لهذا ما قاله فيلسوف المسيحية بولس الرسول "إحملوا بعضُكم أحمال بعضٍ بمحبة وهكذا تُتَمِّموا ناموس المسيح".

وليس يغيب عن البال، ما سال به قلمكم عبر السنوات من مؤلفات عديدة أغنت مكتبتنا العربية بشكل عام والمسيحية بشكل خاص، مِنها ما قمتم بترجمته عن لغاتٍ أخرى، احتشد فيها ما لا عددَ لهُ مِن الدُّرَر اللاهوتية والروحية والرعائية والتعليمية والتاريخية. وإذ يصعُب حصر عناوين تلك المؤلفات في سُطوري هذه.. غير أنِّي سأذكر هنا توثيقكم لتاريخ الأردن القديم وللآثار والمواقع والكنائس المسيحية على كامل فسيفساء الوطن في كتابكم المُعنون "الآثار المسيحية في الأردن" الذي أوردتم في موضعٍ منه :" التاريخُ مدرسةُ الحياة ، والإنصاف له يتطلب أن نقدم للمواطنين مسلمين ومسيحيين تاريخ بلادنا بصورة أصيلة صريحة غير مشوهة كما ويتطلب الانتماء الوطني الأصيل أن يطَّلع الأردني والأجيال الصاعدة على آثار أجدادهم وأسلافهم عندما كانوا يعانون من الاحتلال لعصور طويلة خَلت وأن يطلعوا على تراثهم العربي بكامله وحضارتهم العربية بمراحلها المتسلسلة المتعاقبة دون تفريغ أو تشويه " وسأذكُر أيضاً كتابكم القيِّم الذي ضمَّ ما يربو على سبعمائة صفحة غطَّت خمسمائة وثمانين سؤالاً، تلك الأسئلة التي تعتمل في صدور الشباب أو تتحيَّرُ على ألسِنتهم، فارتأيتم بعلِمكم الواسع وأنتم تحملون درجة دكتوراة في الحق القانوني من روما سنة 1966 وبحُكم خبرتكم الدينية واللاهوتية والرعائية الإجابة عليها وتصويب مفاهيمها إستناداً على أصول ثابتةٍ مع التوعية لها بعمقٍ ومنطقٍ. وقد وَسمتُم الكتاب بعنوان "كلامُ الحياة الأبدية"، "أجوبة وردود على تساؤلات الشباب".

ولا بُد أن أُشير فيما أكتبهُ بهذه المناسبة، إلى صِلتُكم سيادة المطران ببني وطنكم وتواصلكم معهم، تفرحون لأفراحهم وتحزنون لأحزانهم إذ كانت ولا تزال موضع تقدير وإكبارٍ مِنهم، وكَم ترافقنا على مدى سنواتٍ لأداءِ واجباتٍ فكانت طلعتكم وحضوركم وكلماتكم موضع تثمينٍ وتَجِلَّةٍ منهم. تلك الصِّلات والمشاركات ستبقى حيَّةً في القلوب والنفوس مِن مُسلمين ومسيحيين على حدٍ سَواء.

وأختمُ فأقول:

سيادة المطران د. سليم الصائغ الجزيل الوقار، تشخـَصُ الأبصارُ إليكم بمناسبة اليوبيل الماسي لرسامتكم الكهنوتية المَهيبة المباركة، وتلهجُ ألسِنَتنا بالدعاء أن يمد الله بعُمركم مقروناً بالصحة والعافية لمواصلة المزيد من العطاء للوطن والكنيسة ومعشر المؤمنين. وإذ أهنِّئكم فمن دواعي سروري أيضاً أن أُهنِّئ بالمناسبة الجليلة أصحاب السيادة الأساقفة الأجلاَّء والآباء الكهنة الأفاضل وراهباتنا الفُضليات، مثمناً الجهود المبذولة والعطاء المتواصل لتحقيق الرسالة المقدسة التي كرستم أنفسكم لها. مع التقدير والإعْزَاز.

Hanna_salameh@yahoo.com