موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢٣
أوقفوا المذبحة في غزة!
المطران جمال دعيبس، النائب البطريركي للاتين في الأردن

المطران جمال دعيبس، النائب البطريركي للاتين في الأردن

بقلم المطران جمال دعيبس :

 

بعد سقوط آلاف الضحايا في غزة، كم يجب أن يصل العدد قبل أن يطالب العالم بوقف إطلاق النار؟ وإذا كان العالم "المتحضر" يصرّح أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها"، فهل يعني ذلك ان الفلسطينيين هم المعتدين؟ إن الواقعين تحت الاحتلال هم من اعتدوا على المحتلين؟ وقبل أن يساء فهمي، فموقفنا واضح في رفض العنف وعدم تبريره، والدفاع عن العدالة والحقوق والمساواة بين البشر.

 

ما يؤلم في هذه الأيام هو أولاً ما يجري في غزة وآلام أهلها. ولكن ما يؤلم أيضًا هو الإفلاس الأخلاقي للغرب في نظرته إلى الإنسان، لا على أساس المساواة في الحقوق والكرامة، كما تنص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948، ولكن على أساس العرق أو الدين. فيمنحون البعض حقوقًا ولا يخجلون أن ينكروها على الآخرين. وما نسمعه من تصريحات تريد أن تظهر "التوازن" الكاذب بين البشر، يخفي نظرة متعالية نحو فئة معينة من البشر. لم يتخلص الغرب من العقلية الاستعمارية في النظر باستعلاء نحو الشرق. وما نسمعه من مبادئ "الحرية والمساواة" لا ينطبق على الجميع، ولم نجد الغرب يتحرك مدافعًا عن هذه المبادئ طوال أعوام طويلة من الاحتلال لفلسطين ومن الحصار على قطاع غزة.

 

وهنا أقولها وبكل فخر، ليت الغرب الذي يتغنّى بالحضارة والديمقراطية وحقوق الانسان، أن يصغي الى صوت الحكمة والحق الذي تمثله الدبلوماسية الأردنية، والتي يقودها بخطى واثقة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، فهو الداعي الآن وليس غدًا، الى اسكات صوت الالة الجهنمية التي تقتل غزة وناسها الطيبين مسلمين ومسيحيين، وتقتل مستشفياها وكنائسها وجوامعها وتمنع، ليس فقط الأطفال من التوجه الى المدارس، بل تمنعهم من حق العيش والعيش بكرامة.

 

من ألمنا وخيبة أملنا من حضارة القرن الحادي والعشرين نقول: "نؤمن باله واحد، خالق السماء والأرض"، خالق جميع البشر على صورته كمثاله، مانحًا إياهم جميعا كرامة رفيعة وحقوقًا متساوية في الحياة والعدالة وكرامة العيش. ولا نتردّد اليوم بأن نقول: إنّ أي قبول للتمييز بين البشر هو اعتداء على ما أراده الله لهم، أن يكونوا إخوة يعيشون بسلام فيما بينهم. ولا يختبئن أحد خلف الدين ليبرّر إنكار حق الآخر في الحياة والكرامة، لا نميزنّ نحن بين من خلقهم الله متساوين، ولا نحرمنّ أحدًا من حق منحه إياه الخالق. وإذا أراد أحد التمييز بين ضحية وضحية، بين إنسان وإنسان، فلا يستطيع أن يفعل ذلك باسمنا.

 

كفى للظلم، كفى للمذبحة المرتكبة في غزة، كفى لنفاق العالم ودعمه المباشر وغير المباشر للحرب على أهلنا في غزة. كفانا قتلاً وتهجيرًا وتجويعًا. كفانا مراقبة أعداد الضحايا، فهؤلاء لهم وجوه وأسماء وعائلات. فأهل غزة وأهل فلسطين يستحقون أن يعيشوا حياة طبيعية كباقي شعوب الأرض، وأن يستمتعوا بحياتهم مع أطفالهم، لا أن يدفنوهم. فالسلام والاطمئنان والعدالة ليسا منّة من أحد، ولا يجب أن يكونا كذلك. من حقهم أن يعيشوا حياتهم.

 

لنصلّ من أجل غزة، ولتتحوّل صلاتنا الى قوة ونور لنا للعمل على إقرار الحق وبناء العدالة.