موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٨ مارس / آذار ٢٠١٥
أخطاء علمية في مناهجنا

باسل صليبا :

"نحتاج أن نطوّر المناهج ونُزيل منها كل ما يدعو للتطرف"، عنوانٌ يتفق عليه الجميع هذه الأيام، لكن السؤال المهم هو: ماذا نفعل تحديداً لتجذير قِيم المجتمع الديمقراطي وتكريس التعددية ونبذ التطرف في المناهج؟ كان مقبولاً الحديث بشكل عام في هذا الشأن قبل سنوات عدة، لكن المطالبات المتزايدة بالتغيير، خاصة في هذه المرحلة الحسّاسة من ظروف منطقتنا حيث تُوّظف نصوص وأفكار ووقائع تاريخية لتبرير العنف والإجرام، فإننا بحاجة إلى عرضٍ مفصلٍ لطبيعة ما يتم تنفيذه والمعايير التي يتم الاستناد عليها، والمصادر والخبرات والمراجع التي تعتمد في وضع المناهج وتطويرها.

سألقي إضاءاتٍ تساعد في تكريس قيم المجتمع الديمقراطي والتعددية والتفكير الناقد، ونزْع أية جوانب قد تستغل في التطرف، وأبتدئ بالمبدأ القائل إن الحرص على صحة ودقة وموثوقية المعلومات الواردة في المناهج يعد أمراً جوهرياً في مسار تطويرها. فالمعلومة الصحيحة تساهم في بناء المعرفة والفكر لدى مُتلقيها، ويساعده على التحليل والاستنتاج السليمين، وتدريب الطلاب على الوصول إلى المعلومة الصحيحة يساهم في تجنب الانحراف والتطرف في التفكير بسبب معلومات مغلوطة أو ناقصة أو منتزعة من سياقها.

وأختار هنا مادة “مخطوطات البحر الميت”، التي وُجدت في كهوف منطقة قمران بالضفة الغربية في أربعينات القرن الماضي، عينة للدراسة (case study)، وذلك لأسباب عدة؛ فالمادة ترتبط بمرحلة هامة من مراحل تاريخ الأردن وآثاره وحقوقه، وهي موجودة في مراحل دراسية عدة، في مناهج التاريخ للصفين السابع والعاشر، ومنهاج الثقافة العامة للصف الثاني عشر.

قد يظن البعض أن مبدأ صحة المعلومة أمر بديهي، لذا أقدم أمثلة من مادة المخطوطات كما تعرضها المناهج وتحتوي على معلومات غير صحيحة وأخطاء علمية وتاريخية واستنتاجات لا تنسجم مع أهم الإصدارات العلمية الحديثة بهذا الشأن، كما تتناقض مع إصدارات المشروع الأردني للمخطوطات المنبثق عن اللجنة الأردنية لمخطوطات البحر الميت، ولا تنسجم منهجية التحليل الواردة في مادة المخطوطات مع المهمة العلمية والموضوعية للمؤرخ في تحليل وفهم الأحداث التاريخية على أسس علمية صارمة، وفي إعطاء الأهمية الأولية للسياق التاريخي لتأويل النصوص.

تؤكد المادة، مثلاً، أن الأسينيّين هم من كَتَبوا هذه المخطوطات، وقد ثبت أن هذا الأمر مجرد افتراض ضمن نظريات أخرى عديدة تتعلق بمن كتب المخطوطات، وتذكر المادة في منهاج الصف العاشر أن المتحف الذي حفظت به هذه المخطوطات بعد اكتشافها هو المتحف الإسلامي في القدس، والحقيقة أنها ليست في هذا المتحف الذي يقع جنوب غرب المسجد الأقصى، بل كانت في المتحف الأثري الفلسطيني، الذي احتلته إسرائيل عام 1967، وأعادت تسميته بمتحف روكفلر.

وتروي المادة أن المخطوطات طُليت بالقطران للحفظ، وهذا افتراض تبيّن عدم صحته، أو أن المتحف الأردني يضم المخطوطة النحاسية فقط من المخطوطات، علماً بأنه يضم نحو عشرين مخطوطة أخرى، أو أن جماعة الأسينيّين قد تميزت عن غيرها من الجماعات، وهذه مسألة لا تؤيدها الحقائق التاريخية.

وفيما يتعلق بالاختلاف المهول بين المخطوطات القديمة والنسخ الحديثة من النصوص التاريخية والدينية، بحسب المناهج، فيكفي أن أتركه لعلماء فنّدوا عدم صحة هذا الادعاء، والمراجع عديدة ومتوفرة للمهتمين.

هناك أمثلة أخرى على معلومات منقوصة أو غير دقيقة في هذه المادة، ومنها أن المخطوطات قد أُخفيت ولم يتم نشرها حتى الآن، وهي فكرة مغلوطة لا تأخذ بالاعتبار الحقائق التاريخية كاملة، ولا تتطرق إلى التطورات الجوهرية التي حدثت في الخمس وعشرين سنة الأخيرة. فقد ابتدأ نشر المخطوطات منذ تاريخ اكتشافها، وتسارع ذلك بعد العام 1990، وهي الآن منشورة في مجلدات عدة، وقامت شركة غوغل بدعم مشروع علمي تضمّن تصوير ونشر مخطوطات البحر الميت بشكل شامل ودقيق على الإنترنت وهي متوفرة الآن لاطلاع كل المهتمين والباحثين.

إن ضمان صحة ودقة المعلومة وموثوقية مصدرها يعدّ أحد الأساسيات المهمة لإخراج منهاج عصري يدعم الفكر المستنير ويخلو من التطرف.