موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٩ ابريل / نيسان ٢٠١٥
آرام الأول: إبادة الأرمن ناجمة عن " أيديولوجية" وليست لأنهم مسيحيين

القدس - فراس عبدربه :

مائة سنة مرّت على مقتل مليون ونصف المليون من الأرمن –إلى جانب بعض الأقليات الأخرى كالسريان- على يد الأتراك العثمانيين، ولا زالت تركيا الحديثة ترفض الإعتراف بأول جريمة إبادة جماعية ارتُكبت من قبلها في القرن العشرين. ورغم المقاومة الشرسة التي تظهرها الحكومة التركية اليوم، إلا أن البابا فرنسيس لم يتردد في استخدام هذا المصطلح من القانون الدولي (أي الإبادة الجماعية)، لوصف المذبحة التي قام بها الأتراك عام 1915. أجرت وكالة "فاتيكان انسايدر" مقابلة مع كاثوليكوس الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية في كيليكيا، آرام الأول كشيشيان، المقيم في لبنان، قدم خلالها تحليلاً واضحاً ومثيراً للإهتمام.

معلقاً على ردّة الفعل العنيفة التي أظهرتها تركيا عقب تصريح البابا فرنسيس يوم الأحد الماضي، أوضح الكاثوليكوس الأرمني قائلاً: "تفضح ردّة الفعل التركية هذه محاولتها اخفاء أو محو آثار مذبحة خُطِّطَ لها، وتشهد على حدوثها العديد من الوثائق القاطعة".

ويرى الأسقف بأن هنالك "اثباتات كافية" تشهد بأن هذه "الإبادة الجماعية الأولى في القرن العشرين" (وفقاً للتعبير الذي استخدمه أولاً البابا يوحنا بولس الثاني، وأعاد استخدامه البابا فرنسيس يوم الأحد الماضي)، قد حدثت فعلاً. أمّا هذه الإثباتات فهي: "تاريخية، وتتضمن وثائق وشهود عيان وتقارير شخصية لبعض رجال السلك الدبلوماسي من تلك الحقبة، اضافة إلى العديد من المؤرخين غير الأرمنيين. جميعهم قد كتبوا وناقشوا ونشروا وعبروا عن أفكارهم في الأوساط العامة، وجميعهم يتحدثون عن ابادة جماعية".

ويُعَلِّلُ الأتراك رفضهم للإعتراف بارتكاب أجدادهم لإبادة جماعية (Genocide)، بأن هذا التعبير المأخوذ من القانون الدولي، لم يظهر سوى في عام 1948. يعي الكاثوليكوس الأرمني هذه الحقيقة، لكنه شدد قائلاً: "أنا موافق وأفهم ذلك. كان هذا عام 1948. لكن الأمر المهم هو ليس التعبير المستخدم. الأمر المهم هو القصد أو النية. فقصد الأتراك حينها كان الإبادة الجماعية (للأرمن). قصدوا القضاء على الشعب الأرمني، ومحو كلمة أرمني أو ارمينيا من التاريخ بل وعن الخارطة (…). هنالك اثباتات تشير بوضوح إلى أن ما حدث للشعب الأرمني، كان إبادة جماعية تتوافق والمعنى القانوني الحقيقي الذي يحمله هذا التعبير".

ولم يتردد الكاثوليكوس أيضاً في اظهار عدم اقتناعه بالذريعة التركية التي تقول بأن البابا بتصريحاته هذه يغذي التوتر بين المسلمين والمسيحيين. وأوضح قائلاً: "… يضعون –أي الأتراك- هذه الأمور عن قصد في إطار خاطيء ومشكوك فيه وخطير. سأقول لكم لماذا. ما حدث ضدّ الأرمن، أي الإبادة الجماعية، لم يكن سببه أن الأرمن هم من المسيحيين. السبب الحقيقي هو أيديولوجية تُدعى "بالقومية التركية"، اضافة إلى السياسة والخطط التي وضعها مؤسسو حزب تركيا الفتاة. شكّل الأرمن عقبة كبيرة في وجه تطبيق سياسات القوميين الأتراك. فقد أراد هؤلاء القوميون أن يجمعوا كافة البلاد ذات الأصول التركية والثقافة المشتركة، تحت مظلة واحدة، هي مظلة القومية التركية. كان الأرمن عقبة في هذا الطريق. لذلك، قام القوميون بتنظيم هذه المذبحة، أي الإبادة الجماعية. لم يكن العامل الديني إذاً سبباً في ذلك. وهاهمُ اليومَ يستخدمون الدين للعب على وتر العلاقات المسيحيية الإسلامية. وهذا أمر غير مقبول".

مأساة المسيحيين في الشرق الأوسط وهمُّ الوحدة المنظورة بين الكنائس

أنهى الكاثوليكوس الأرمني المقابلة متحدثاً عن المأساة التي يعيشها بعض المسيحيين في الشرق الأوسط، وعن دور مسيحيي الغرب في التخفيف عنهم. كما وتطرق سيادته إلى مسألة العلاقات المسكونية بين الكنائس، وهو موضوع عزيز جداً على قلبه. قال: "ككنيسة أرمنية، كنا، ومنذ تأسيس كنيستنا، كنيسة واسعة الأفق ومرنة. نحن كنيسة تؤمن حقاً بالحركة المسكونية والوحدة المنظورة للكنيسة (…). وقد تناقشت معه (أي مع قداسة البابا فرنسيس)، وقلت له –قلت أنا له- أنه، ولإسباب متعددة، فإن جميع كنائسنا، وخاصة الكاثوليكية والأرثوذكسية، قد أضحت مُؤَسَّساتية للغاية. حافظت المؤسسة على الكنيسة، لكنها أيضاً جمّدت حدودها وجعلتها صلبة للغاية". وقلت له: "بما ان الكنيسة هي في الأساس جماعة الإيمان، فإن من المهم جداً أن نأخذ الكنيسة إلى ما وراء جدرانها".