موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٤ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٦
شهادة من تركمانستان: أن تكون أقلية لا يعني بأنك لن تستطيع أن تشهد لإيمانك

بقلم: لوشيانو زانارديني، ترجمة: منير بيوك :

أن تكون من الأقلية لا يعني أنك لا تستطيع أن تشهد لإيمانك بالمسيح. فمن أجل القيام بذلك، يبقى الأهمية بمكان أن تعيش حياة السكان المحليين يومًا بيوم، أما الأبنية فيمكنها الانتظار (ليس هناك أية تصريحات لبناء كنائس هنا). هذه هي شهادة أندرزيج ماديج، وهو من المرسلين البولنديين لجمعية مكرسي الحبل بلا دنس والمسؤول عن إرسالية Missio sui Iuris في تركمانستان. فهو يعيش مع اثنين من الكهنة الآخرين (الأب رافائيل والأب بول) في شقة صغيرة مستأجرة مؤلفة من طابقين في العاصمة عشق آباد، بالقرب من الحدود الإيرانية الأفغانية. تشكل صحراء قره قوم اثنان وثمانين بالمئة من مساحة البلاد، وبذلك تعتبر أكبر مشكلة تواجهها البلاد هو النقص كميات المياه. في هذا الصدد يقول السكان المحليون إن "قطرة واحدة من الماء تشبه كمية وافرة من الذهب". منا لا توجد رهبانيات أو كهنة آخرين في البلاد.

يقول الأب ماديج: "في الوقت الراهن، نحن الكاثوليكون الوحيدون الذين يمثلون الكنيسة هنا. في كثير من الأحيان، عندما أعود إلى بولندا لقضاء إجازتي يتم سؤالي: ’لماذا لا تبقى هنا؟ إن البلاد بحاجة ماسة إلى كهنة‘. عندها أجيب على ذلك بالقول أنه يتواجد في بولندا ثلاثون ألف كاهن، بينما في تركمانستان فهناك ثلاثة كهنة فقط".

أخذته رسالته الكهنوتية أولاً إلى بولندا، من ثم إلى كييف حيث أعلن الكتاب المقدس في رعية تم إغلاقها وتحوّلت إلى قاعة احتفالات. وقد استطاع أن يعيدها بشكل جزئي إلى كنيسة مرة جديدة. يقول: "خلال عودتي في ستينيات من القرن الماضي، في ظل النظام السوفياتي، أجبرنا على تعلم الروسية، وكانت هذه الطريقة التي أعدني فيها الروح القدس للقيام بهذه الخبرة الرسولية الجميلة في الامبراطورية السوفياتية السابقة". في عام 1997، غادر عشق آباد، عاصمة تركمانستان. "يضم المجتمع الكاثوليكي حوالي ألفي مؤمن، لكن تشمل اتصالاتنا مسيحيين من مختلف الكنائس إضافة إلى مسلمين وعائلات على استعداد لاستقبالنا. ما يميز بيتنا هو أنه مركز حقيقي ليس للقضايا المتعلقة بالإيمان فحسب، لكنه أيضًا للعلاقات الإنسانية. بعد تسعة عشر عامًا، نود أن نبني كنيسة صغيرة وسفارة بابوية".

الدين الرئيسي في تركمانستان هو الإسلام، لكن يتواجد فيها بعض المجتمعات، وإن كانت محدودة جدًا، من المسيحيين (الكاثوليك والأرثوذكس والإنجيليين). "هناك اثنتا عشر رعية أرثوذكسية. إننا نحاول الحفاظ على علاقات أخوية مع الجميع. كما أن علاقاتنا مع بعض الإنجيليين ممتازة، فنحن نصلي سويًا في كنيستنا كل يوم أحد. إضافة إلى ذلك، نجتمع لقضاء أوقات أخرى في الصلاة والتسبيح للرب". وخلال اليوبيل "كانت تجربتنا الروحية من خلال الليتورجية. إننا نحاول أن نكون قريبين من أولئك الذين يعانون من الوحدة والمرض، أو من أولئك الذين يعانون من مشاكل. كما شكلت أول سيامة كهنوتية لشاب تركماني انضم لرهبنيتنا نعمة خاصة في سنة الرحمة المقدسة. ويخضع اثنان من الشبان الآخرين إلى التنشئة، وهذه بوادر أمل لهذه الكنيسة الوليدة".

يقضي المكرسون كل يوم بضع ساعات للصلاة والاحتفال بالذبيحة الإفخارستية. كما يزورون عائلات، ليست فقط كاثوليكية، ويحاولون تقديم الدعم الروحي للمرضى. صنع أحد هؤلاء الناس، في سلافومير (الواقعه على بعد 700 كم عن العاصمة)، شكلاً خشبيًا يحتوي على صليب منحوت كرمز للامتنان على شفائه. وأسرّ إلي قائلاً أنه في الوقت الذي كان يقوم بالنحت، خاطبه الذين رأوا الصليب قائلين: ’لا نريد أن ننظر إلى هذا الشيء القبيح، قم بإخفائه‘. في حينه أدركت بصورة أفضل كلمات القديس بولس الرسول عندما قال أن يسوع المصلوب سيبقى عارًا حتى نهاية الزمان، بالنسبة لأولئك الذين لا يؤمنون".

وعلى الرغم من التوترات القائمة على المستوى الدولي، يعيش المسيحيون بسلام إلى جانب "إخوتهم وأخواتهم المسلمين. فنحن نحضر أعياد المسلمين التي ندعى لحضورها. كل ما نريده هو أن نبني علاقات مع الجميع، وأن نعمل على القضاء على أي تحامل يعتبر المسيحيين أو الغربيين كأفراد مهتمين فقط بالحرب أو بفرض حضارتهم". لكن هناك شيء آخر يثير قلقي هو: "عندما أشاهد كنائس أوروبا فارغة، أسأل نفسي ماذا يحدث عندما يبذل مسيحيون في مناطق أخرى من العالم جل جهدهم ليكونوا مؤمنين، وليشدوا لإيمانهم!".