موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٤ مارس / آذار ٢٠٢٤

عظة عيد البِشَارة 2024

بقلم :
الأب فارس سرياني - الأردن
عيد البِشَارة

عيد البِشَارة

 

﴿أُسَرُّ سُرورًا في الرَّبّ﴾ (أشعيا 10:61)

 

عِيدُ البِشَارَةِ هُوَ عِيدُ "الفَرح". فَكَلِمَةُ بِشَارَة تُشيرُ إلى خَبَرٍ سَارّ، وإلى نَبَئٍ يُدْخِلُ في نُفُوسِ سَامِعيِه مَشَاعِرَ الغِبْطَةِ والابْتِهَاج! وكَلِمَةُ بُشْرَى تحمِلُ في طَيَّاتِهَا مَعَاني الخَيرِ والْفَألِ الحَسَنِ! والبُشيرُ العُلْوي، الْمَلاكُ جِبْرائِيل، لَمَّا أَلْقَى عَلَى العَذرَاءِ التَّحِيَّة، خَاطَبَها بِقَولِهِ: ﴿اِفْرَحي، أَيَّتُها الْمُمْتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرّبُّ مَعَكِ﴾ (لوقا28:1). فَدَعوَةُ عِيدِ البِشَارَةِ أَيُّها الأحِبَّةُ هِيَ دَعوَةٌ لِأنْ نَبْتَهِجَ مَع أُمِّنَا مَريمَ العَذراء، تَمَامًا مِثْلَمَا ابْتَهَجَت.

 

فَهَذَا الحَدَثُ الأَعظَم، حَدَثُ تَجَسُّدِ ربِّنَا يَسوعَ الْمَسيح، الّذي صَارَ بَشَرًا في حَشَاها الطَّاهِر، لا يَخُصُّهَا هِيَ فَقَط، بَلْ هُوَ حَدَثٌ يخُصُّ البَشَريَّةَ كُلَّها، مِنْ بِدَايَتِهَا حَتّى نهايَتِها، فَفَي البِشَارَةُ بَدْءُ خَلاصِهَا. فَأَيُّ بُشرَى إذًا أَبهَجُ وأَسَرُّ، مِنْ بُشْرَى الْمَلاكِ للعَذرَاءِ مَريم، بِولادَةِ الرَّبِّ والْمُخَلِّصِ يَسَوعَ الْمَسيح؟!

 

وهَا هوَ مَلاكُ الرَّبِّ مِنْ جَديد، في لَيِلَةِ الْمِيلادِ الْمَجيد، يُعيدُ إِذَاعَةَ البُشْرَى إلى الرُّعَاةِ، دَاعِيًا إيَّاهُم إلى الفَرَحِ، قَائِلًا: ﴿إنّي أُبَشِّرُكُم بِفَرَحٍ عَظيم، وُلِدَ لَكُم اليَومَ مُخلِّصٌ، وَهُوَ الْمَسيحُ الرَّبّ﴾ (لوقا10:2-11). ولِمَاذا وَجَبَ عَلَينَا أنْ نَفرَحَ كُلَّ هَذَا الفَرح؟ لِأنَّ الرّبَّ، عِمَّانُوئِيلَ، صَارَ مَعَنَا! فَلَمْ يَعُدْ وُجُودُهُ مُجَرَّدَ وُجُودٍ في الكُتُبِ الْمُقَدَّسَة، ولَمْ تَعُدْ مَعْرِفَتُهُ مَحْصُورَةً بِما نَقَلَهُ لَنَا الأنْبِيَاء، كَمَا كَتَبَ صَاحِبُ الرّسالَةِ إلى العِبرانيّين: ﴿إِنَّ اللهَ بَعدَمَا كَلَّمَ الآباءَ قَديمًا بِالأَنبِياءَ مَرَّاتٍ كَثيرةً بِوُجوهٍ كَثيرة﴾، بَلْ صَارَ وُجُودُهُ وُجُودًا وَاقِعيًّا ومَحسُوسًا، كَمَا أَكمَلَ يَقُول: ﴿كَلَّمَنَا بِابْنٍ بِهِ أَنْشَأَ العَالَمِين. هُوَ شُعَاعُ مَجْدِهِ، وصُورةُ جَوهَرِهِ﴾ (عب1:1-3).

 

وهَذَا الوُجودُ الجَديدُ، كَانَ جَوهَرَ فَاتِحَةِ بِشَارَةِ يُوحَنَّا، حِينَ كَتَبَ يَقُول: ﴿والكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا، فَسَكَنَ بَينَنَا، فَرَأينا مَجدَهُ﴾ (يو14:1). ثُمَّ أَردَفَ في رِسَالتِهِ الأولَى يَقول: ﴿ذَاكَ الَّذي كَانَ مُنذُ البَدء، ذَاكَ الّذي سَمعنَاه، ذَاكَ الّذي رَأَينَاهُ بِعَينَينَا، ذَاكَ الّذي تَأمَّلنَاهُ ولَمَستهُ يَدَانا، نُبَشِّرُكُم بِه أَنتُم أَيضًا﴾ (1يو1:1-3).

 

أَيُّهَا الأَحِبَّة، في عِيدِ البِشَارَةِ تَحْضُرُني شَخْصِيَّةُ حَنَّةَ أُمِّ النَّبيِّ صَمُوئيل، يَومَ وَهَبَهَا اللهُ ثَمَرةَ الحَشَا، فَهَتَفَت تَقول: ﴿اِبتَهَجَ قَلْبي بِالرَّبّ، وارتَفَعَ رَأسي بِالرَّبِّ، لأَنِّي قَدْ فَرِحتُ بخَلاصِكَ﴾ (1صمو 1:2). كَمَا وَيحضُرني قَولُ النَّبيِّ أَشعيَا: ﴿أُسَرُّ سُرورًا في الرَّبّ، وتَبتَهِجُ نَفْسي في إِلهي، لِأَنَّه البَسَني ثِيابَ الخَلاص، وشَمِلَني بِرِداءِ البِرّ﴾ (أش10:61). هَذَا الفَرحُ العَظيم، وهَذَا السُّرورُ النَّازِلُ مِنَ العُلَى، قَدْ وَجَدَ كَمَالَه في نِشيدِ أُمِّنَا العَذراءِ مَريم، حَينَ أَتَمَّت سِمفونيَّةَ الفَرحِ، فَقَالَت: ﴿تُعَظِّمُ الرّبَّ نَفسِي، وتَبتَهِجُ رُوحي باللهِ مُخَلَّصي. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال، لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِليَّ أُموراً عَظيمَة﴾ (لوقا46:1-49).

 

مَا يَجمَعُ بَينَ هَذهِ النُّصوصِ الثَّلاثَة، هَوَ: الدَّعوَةُ للابتِهَاجِ باللهِ الْمُخَلِّص! وفي حَدَثِ البِشَارَةِ، إِرَادَةُ اللهِ الْمُخَلِّص، تَلْتَقي وتَتَّحِدُ مَع إِرَادَةِ مَريمَ بِقُبولِ هِبَةِ الخَلاصِ، لَمَّا أَجَابَت: ﴿أَنَا أَمَةُ الرَّبّ، فَلْيَكُن لي بِحَسَبِ قَولِك﴾ (لوقا 38:1). فَمَريمُ العَذراءُ تُعَلِّمُنَا في حَدَثِ بِشَارتِها، أَنَّ فَرحَ الْمُؤمنِ يَكُونُ عَظيمًا، عَلَى قَدْرِ اِمْتِثالِه وعَيشهِ لإرادَةِ الله. وبِقَدرِ مَا تَقبلُ إِرَادَةَ الله، تَكونُ أَهلًا لِنَيلِ الخَلاصِ الَّذي يَأتيكَ بهِ الله! وإذَا نِلْتَ نِعمَةَ الخَلاصِ، فَأَنتَ في عِدَادِ الْمُطَوَّبينَ إلى الأبَد.

 

وأَخيرًا، في عِيدِ البِشَارةِ الْمَجيد، لِسَانُ حَالِنَا مَعِ القِدّيسِ بُولسَ، يَهتِفُ ويَقول: ﴿اِفْرَحوا في الرّبِّ دائِمًا. أُكرِّرُ القَولَ: اِفْرَحوا﴾ (فيلبّي 4:4).