موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٤ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢

قليل من إنسانية

بقلم :
يارا حوراني - الأردن

زارني صديق صباح اليوم في مكان العمل وقادنا الحديث عن فحوى عملنا أنا وهو في المساعدات الإنسانية وإعانة الآخر نحو مفهوم الإنسان والإنسانية.. وكونك أنت إنسان، مهما كانت جنسيتك أو دينك أو عرقك أو أفكارك، فإنسانيتك تتعدى كل هذه الحدود، وإنسانيتي تغلب كل هذه الحواجز، وبهذا نصل إلى أرقى وأسمى درجات التعامل والتواصل والمساعدة، وفعليا، هذه هي رسالة الكنيسة ورسالة كاريتاس ومختلف الجمعيات والمجتمعات التي تعمل مع ولأجل الآخر، وقد أوحى لي بفكرة رهيبة، عجيبة، لم أفكر فيها من قبل، لمعت كنجوم تستحق معها التأمل والتفكير العميق، وهي أن يسوع عرفناه كإنسان قبل أن نعرفه كإله، ومن أهم ألقابه كانت "ابن الإنسان" وهي عبارة تعبّر عن ناسوته كما أن عبارة "ابن الله" تعبّر عن لاهوته، وقد استخدمها في عبارات عدة تجمع بين الطبيعتين: (متى 25:31-34) "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة والقديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده.. ويُقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه، تعالوا إليّ يا مباركي أبي رثوا المُلك المعد لكم منذ تأسيس العالم". وابن الانسان هو الذي سيدين العالم، سيدينه من الناحية الإنسانية والناحية الإلهية معا. وفي مقطع آخر: إذ يقول "يبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه.." (متى 24: 29-31). وهنا لا نستطيع الفصل بينهما، فهو الكلمة المتجسد.. إذا، لقد اتحدت الطبيعة البشرية، الإنسانية، بالطبيعة الإلهية، حينما تجسد الإله الإنسان، وانتقل لنا هذا الاتحاد بصورة أو بأخرى حيث خُلِقنا على صورة الله ومثاله، وكما قال كبير القديسين، اغسطينوس: "لقد تأنس الإله، ليتأله الإنسان". ولكن بفعل أيدينا انجرحت إنسانيتنا وتلوثت، وأصبحت تئن، وحالت حواجز كثيرة من تلاقي إنسانياتنا معا... آه يا إنسانيتنا، بأي وجه وأي قلب وأي عيون ستواجهين إله الإنسانية؟ كيف رسمنا لك الحدود ووضعنا لك الشروط واستغللنا اسمك لتحديد الآخر؟ لنراجع أنفسنا الآن، كيف نعيش إنسانيتنا اليوم، في ظل كل هذه الصراعات وكل هذا الظلم؟ ما دوري أنا؟ ما الذي تمليه عليّ إنسانيتي؟ هل إندثرت تحت ركام هذا العالم؟ العالم الذي يهدم نفسه اليوم باستخدام أيدينا العارية، هل فكرتم يوما ما هو دوركم؟ في الحقيقة، لستم بحاجة لعمل الكثير، او صرف جهد جبّار، ولا بحاجة لشعارات رنانة، أعمال بسيطة متواضعة بحب كبير، تحيا بها الإنسانية. فاليوم، دعوة للإنسانية، بالذات في هذه الأيام المجيدة، أيام ولادة يسوع الانسان الاله، او الاله الانسان، لا فرق، فهما واحد، وكل منهما مزروع فيَّ، وفيك، وفي كل من حولنا، هناك مسحة من الانسانية ومسحة من الالهية، فتعامل معهما فيك أولا ونمِّهما وتعامل معهما في من حولك، علّنا نُساعد في شفاء بعض الجراح، ومحو قليل من الظلم وإنارة جزء من العتمة، إبدأ الآن ولا تنتظر فرصة تأتيك او متسول يدق بابك لطلب قليل من إنسانية، بل اخرج ابحث عنه وامنحه قليل منها.. في هذا العيد امنحوا قليلا من إنسانية... تصبحوا أكثر إلهية.