موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٤ أغسطس / آب ٢٠١٩

عيد انتقال السيّدة العذراء إلى السماء

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

تحتفل الكنيسة بهذا العيد في الخامس عشر من شهر آب من كلّ عام. كما تؤمن الكنيسة الكاثوليكيّة وشقيقتها الأرثوذكسيّة ضمنًا –وكذلك الأنكليكانيّة- "بانتقال" السيّدة العذراء مريم إلى السماء". رقاد السيّدة "مريم العذراء المباركة" ثمّ انتقالها بالنفس والجسد إلى السماء حدثان تاريخيّان. متى حدث ذلك؟ وفي أية سنة؟ في القرن الخامس للميلاد، قال القدّيس "يوفيناليس"، بطريرك القدس، للإمبراطورة البيزنطية پُلكيريا Pulcheria: "مع أنّ الكتاب المقدّس لا يذكر جميع ظروف رقاد السيّدة العذراء إلاّ أنّنا نعرف ذلك من أكثر التقاليد قِدمًا ومصداقيّة وتواتر الأخبار وتواليها". بعث البطريرك إلى الإمبراطورة لفائف رقاد السيّدة مريم من قبرها الفارغ، ووضعتها الإمبراطورة في كنيسة پلاتشيرني Blachernae في القسطنطينية. تروي تلك التقاليد أنّه "بعد رقاد السيّدة العذراء رفعها الملائكة إلى السماء نفسًا وجسدًا". أكرمها الله ولم تسمح إرادته تعالى لهذا الجسد الطاهر بأن يكون عرضة للانحلال والفساد. نالت بهذه الطريقة الوعد الإسكاتولوجي عن قيامة الجسد. كيف نعرف تاريخ الانتقال؟ ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار بعض القرائن المتعلّقة بسيرة السيّدة مريم منها السلام من أجل معرفة تاريخ "الانتقال". ونحن نعلم أنّ العذراء مريم كانت على قيد الحياة على جبل الجلجلة. وعاشت بعد ذلك تحت رعاية القدّيس يوحنا المحبوب الذي ائتمنها السيّد المسيح عليه والذي ائتمنه السيد المسيح عليها: "هوذا ابنك.. هذه أمّك" (يوحنّا 19: 26). كما أنّها كانت حاضرة يوم عيد العنصرة في العلّيّة في القدس، وحولها الرسل والتلاميذ (أعمال 1: 14). وبعد ذلك، وردت الإشارة إليها في رؤيا 12. السبب في عدمذكر السيّدة مريم في أعمال الرسل أو في الرسائل الاّ نادرا في اعتقادي يتكلّم العهد الجديد عن أسرار الإيمان بأسلوب مقتضب بسبب الاضطهاد العنيف الذي عاناه المسيحيون من كلّ من اليهود والرومان. وهناك في رسائل غلاطية ورسالة بطرس الأولى مساحة أساسية عن سرّ المعمودية ولكن يُلمّح إليها بشكل بسيط. ويذكر إنجيل يوحنا المعمودية (يو3) ولاهوت الإفخارستيا (يو6)، ويكتب بطريقة يفهمها مَن هم على اطّلاع وعلم بتلك الأمور. ولقد تمّ تبجيل السيّدة العذراء كثيرًا، ولكن الحديث عنها علنًا كان ممكن أن يعرّضها للخطر. يبيّن الكتاب المقدّس في أعمال الرسل 12 محاولة اليهود الشرسة في تدمير أقرب المقرّبين إلى المسيح: يقتلون يعقوب ويسجنون بطرس ( بقصد قتله ولكنّه ينجو بمعجزة). ويسجّل استشهاد يعقوب في أعمال 12: 1-2. حدث ذلك حسب البيانات التاريخية سنة 44م، وكان هذا اضطهاد اليهود للمسيحيين. يبدو أن هذا الاستشهاد وسّع رقعة الانفصال المتزايدة بين المسيحيين من أصل يهودي، والأمميين من غير اليهود الذين أقبلوا إلى المسيحية. ثمّ أُعلن الطابع الفريد للكنيسة الذي يختلف عن الديانة اليهودية في مَجمع يُدعى "مَجمع أوروشالم" سنة 50 و51م (أعمال 15). عودة إلى التقليد شهد القدّيس يوحنا استشهاد شقيقه القدّيس يعقوب الكبير ابن زبدى، وسِجن القدّيس بطرس. والكلّ يعلم أن دائرة المسيح الداخليّة تتكوّن من بطرس ويعقوب ويوحنا. وقد قتل اليهود يعقوب وألقوا القبض على بطرس. ومن الواضح أن اسم يوحنا كان بعدهما في القائمة. ويُشير التقليد أيضًا إلى أنّ اليهود سعوا إلى قتل والدة المسيح أو إلصاق وصمة عار بها - حاشى. لذلك أسرع يوحنّا وذهب في صحبة مريم العذراء مرافقًا لها إلى أفسس بعد وقت قصير من استشهاد شقيقه يعقوب (سنة43- 44 م) وفيما بعد عادا إلى القدس بعد زوال الخطر. هل تمّ انتقال السيّدة العذراء إلى السماء في سنوات الأربعين للميلاد؟ كانت مريم البتول ما تزال على قيد الحياة سنة (43-44م) إذ سافرت إلى أفسس. معنى ذلك أنّ الانتقال حصل بعد ذلك التاريخ. يُجمِع التقليد عالميًّا أنّ رقادها وانتقالها حدثا في القدس. وافتراض الأربعينات لانتقال السيّدة غير مناسب لأنّ القديس لوقا الطبيب لم يكن من رسل المسيح شهود العيان، بل أتى فيما بعد بكثير، وتسلّم من الرسل كثيرًا من أقوال المعلّم وأعماله، ومن السيّدة مريم سمع أحداث البشارة وميلاد يسوع وطفولته وحداثته، وما قابل القدّيس لوقا الطبيب سيّدتنا مريم في الأربعينات بل بعد ذلك، فيما بين( 57 و60م). انتقال السيّدة العذراء في الستّينات للميلاد؟ تحدّد جميع التقاليد انتقال السيّدة العذراء منها السلام إلى ما بعد خروج الرسل من القدس وانتشارهم في أنحاء العالم كافّة، ولكن قبل وفاة بعض الرسل بعد سنة 63 للميلاد. الأقرب إلى الصّواب أنّ السيّدة مريم انتقلت إلى الخدر السماوي في تلك السنة (63م) لأنّ ذلك يناسب الإعداد التاريخي لمعظم روايات التواتر التي تذكر رقاد مريم العذراء وحضور الرسل الأحد عشر الأحياء، وإحياء بطرس لجنازتها (ما عدا توما). قائمة لأسباب تحديد سنة 63م لانتقال العذراء إلى السماء يبدو أنّ سفر الرؤيا يصف تدخّل الله المعجز بهدف الحفاظ على "المرأة". والوحي في هذا السفر يفسّر سبع سنوات "المحنة" في القدس، والتي أدّت في نهايتها إلى تدمير الهيكل عام 70 ميلادي. وهكذا يرجح تمامًا انتقال السيّدة مريم سنة 63 م ، وإذا أضفنا إليها سبع سنوات يكون حاصل الجمع سنة "سبعين"أي سنة خراب الهيكل. لقد تمكّن لوقا من الحصول على جزئيّات الأمور ودقائقها بالإسهاب والبسط مباشرة من "السيّدة العذراء". خاتمة انتقال السيّدة العذراء نتيجة منطقية عقلانية بسبب الوصية الرابعة أي إكرام السيّد المسيح لوالدته، وبسبب الرباط بين فساد الخطيئة وفساد الجسد بعد الوفاة، بحيث ان براءة السيّدة العذراء من الشرور حفظتها بنعمة الله من انحلال القبور. والعبرة لنا أن نتوخّى الطهر في حياتنا، ونتخلّى عن البشريّة العتيقة "ونلبس الإنسان الجديد الذي خلقه الله في البِرّ وقداسة الحق" أفسس 4: 24).