موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٩ يوليو / تموز ٢٠١٩

خير جليس في الزمان كتاب

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

كما قال أبو الطيّب المتنبّي: "أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سَرجُ سابحٍ *** وخيرُ جليسٍ في الزمانِ كتابُ"... الكتاب أفضل من التهافت على القنوات الفضائية المرئية أو المسموعة وأفضل من جميع وسائل التواصل الاجتماعي. وأفضل من سياسة العولمة: العولمة الاقتصادية وتليها العولمة الاجتماعية والثقافية وتُعَدّ كلّها عملية تدخّل وسيطرة في ثروات الدول، وفرض قوانين جديدة تستفيد منها الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي وفي هوية الدول الأخرى الثقافية خاصة... ويُعرّف مالكوم واترز مؤّلف كتاب العولمة بأنّها «كلّ المستجدّات والتطوّرات التي تسعى بقصد أو بلا قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد». كثر المعارضون على سياسة العولمة لأنّ لها مساوىء كثيرة. على سبيل المثال فهي من الناحية الاقتصادية تهدف إلى جعل الاقتصاد في قبضة قلّة قليلة من الأثرياء يطمعون في استغلال العالم كما يحلو لهم ويطيب من غير شبع. وفي نفس الوقت تسبّب العولمة الاقتصادية الإسراف في استهلاك الناس للسلع المعروضة. بالاضافة إلى استغلال الدول الكبرى لدول العالم الثالث وما في بلادهم من كنوز طبيعية ومواد خام. عودة إلى الكتاب لا نحكمنّ أبدًا على كتاب من شكله وغلافه بل على محتواه، لأنّ الغلاف لا علاقة له بمضمون الكتاب. إذا وجدنا بين الكتب المترامية في مكتبة ما كتابًا طبعته قديمة وغلافه مهترىء أو قاتم اللون فهذا لا يعني أنّ المضمون رديء. بخلاف ذلك ينبغي أن يكون العنوان ملخّص الكتاب. يحوي كلّ كتاب بين سطوره روح المؤلّف سواء كانت صالحة أولا سمح اللّه شرّيرة، سواء كانت أفكاره سطحيّة أو عميقة. وهذا ينطبق طبعًا على كاتب المقال أيضًا وكذلك الشاعر. تطير روح الكاتب القابعة بين الأسطر وترفرف لتعبّر أحيانًا عن خبرة طويلة ومحن قاسية وفلسفة عميقة ومعرفة كبيرة وإحساس مرهف وثقافة واسعة ومنطق سليم وسرعة بديهة وخفّة ظلّ أو جدّيّة قاسية.وتبيّن لنا أحيانًا أخرى وجود مؤلّف سلبيّ الأفكار والعواطف. وكلّها تؤثّر على القارىء وتسيطر عليه إذ تخاطب عقل القارىء ووجدانه ومشاعره. والكاتب البارع هو الذي يرسم بين السطور أسلوبًا ناعمًا كالحرير مُهذّبًا، يفلتمن بين أصابع مَن يحاول أن يلمسه كالزئبق، ويغلب على المؤلّف الناجح الاتجاه الإنساني فيوصل المعلومة من غير استعمال ألفاظ نابية فظّة ومن غير تجريح أو إهانة. تُعَدّ عقولنا وأذهاننا كيانات مستقلّة، وهي قادرة على تحويل كلّ جنة إلى جحيم لا يُطاق، طبقًا للأفكار السلبيّة التي تعشّش في بعض عقولنا أحيانًا واللاشعور، أو تُبقينا في الجنّة والنّعيم إذا كنّا نسبح في فردوس الأفكار الإيجابيّة. وحول هذه القناعات أو تلك تدور كتاباتنا. أمّا الألم الذي يختبره الإنسان في حياته والمعاناة: من فقدان إنسان عزيز على قلبه أو حروب ودمار وهجرة ومرض وهدم منزل وضع فيه المرء تعب العمر، وغيره كثير... فما هو سوى وقود ضروري يحرّكنا ويعيننا على تغيير نظام حياتنا ومأكلنا ومشربنا ومسكننا، من أجل الانتقال من وضع معيّن إلى وضع آخر ، وللعبور من حالة نفذ فيها الوقود -ووصل إلى نقطة الصفر- إلى حالة جديدة نملأ فيها حياتنا وصحّتنا وقدراتنا بوقود جديد، مع الملاحظة أن هذا الأمر لا يحدث إلاّ بعد اختبار كثافة الألم العميق وشدّته التي لا تُطاق. وكلّ ما سبق ذكره من ألم لا تخفّ وطأته إلاّ مع الإيمان بالله والرجاء برحمته تعالى... والرجاء هو ما نسمّيه التفاؤل، وعلى رأي الشاعر اللبناني وأهمّ شعراء المهجر إيليا أبو ماضي "كن جميلاً ترَ الوجود جميلا". ابتسم من غير يأس وقنوط مع الصعوبات، ولو رأيت مصيبة غيرك لهانت عليك مصيبتك. خاتمة وقياسًا على ما ورد في الكتاب المقدّس: "تعلّم ممّا تألّم" (عبر 5: 8). والاستماع إلى الكلمة الطّيّبة أو مطالعتها من غير العمل بها هو شبيه ببناء بيت على الرمل، أمّا القراءة والعمل فهي بمثابة تشييد على الصّخر! يتفحّص الإنسان المؤمن الحكيم كلّ وضع معيّن في حياته ويحوّله إلىميزة. ويحاول أن يقابل باستمرار ما بين الجيد والرديء. ويُبقي أبواب الأمل مفتوحة على مصراعيها لأنّ الله معه.