موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢ يوليو / تموز ٢٠١٩

ازدواجية المبادىء والمعايير

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

العدالة ما أحلاها! لكنّها غير موجودة بسبب أنانية الإنسان الذي يفكّر في مصلحته فقط، ويبدو أنّ مشكلة ازدواجيّة المبادىء والمعايير حاضرة دائمًا . والسيّد المسيح نفسه كان قد تكلّم مع الجمع قائلاً في (يوحنّا 7: 24 ) "...احكموا حكمًا عادلاً"، أقولها للظالم خاصة لبعض زعماء الدول كي يتّعظوا، وللمظلومين كي يتشدّدوا. لننظر إلى السماء حدّث الكونت تولستوي –من أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر– حدّث في كتابه "الحرب والسلم" إحدى أشهر أعماله، عن جندي سقط في ساحة الحرب، بعد أن أُصيب إصابة قاتلة في عموده الفقري، فوقع على ظهره فاقدًا الوعي. وما أن استعاد وعيه حتّى استقرّت عيناه على قبّة السماء وكأنّها خيمة تظلّله، واذا به يتمتم: "ماذا أرى؟ السماء! ما فكّرت فيها أبدًا... كان عليّ أن أقع على ظهري عديم الحركة والحسّ كي أراها الآن وأفكّر في وجودها... لأوّل مرّة..." ثمّ فارق الحياة. غني عن البيان أنّ تولستوي مصلح اجتماعي، وفيلسوف أخلاقي، إضافة إلى أنّه يُعدّ أحد أعظم الروائيين في العالم، وتميّزت آثاره الأدبيّة بعمق تحليله للإنسان ككائن اجتماعي ما جعل لمؤلفاته قيمة حضارية وثقافية وهي أوسع ترجمات لكاتب في العالم بعد الكتب المقدّسة. كم في أيامنا من أناس يعيشون برؤوس منكّسة إلى الأرض، إلى المادّة والشهوات التي تعمي الأبصار والقلوب، ودول تصادر أراضي غيرها وتنهب ثرواتهم، ولكن في زمن محدّد، تتملّص الأرض من أيديها وتدين ظلم تلك الشعوب الغاشمة ،بسبب لجوء الدول المقهورة إلى السماء ونظرة المساكين إليها مستنجدة، ولكن هيهات! يكون قد تأخّر الوقت ويبقى على المعتدين المغتصبين الحساب العسير. من المضحك المُبكي نسمع ونشاهد أناسًا يندّدون بالإرهاب وقد تلطّخت سجلاّتهم لدى السماوات العليا بالدماء الطاهرة الزكيّة البريئة. ألهذه الدرجة يصبح الإنسان غليظ الرقبة حتّى يتجاهل الجرائم التي اقترفها عن سبق إصرار وترصّد وبدم بارد؟! ليس هذا فحسب بل يدين غيره؟! إذا كان الإنسان يعتمد "على مَن يطبّل له ويزمّر" في هذه الحياة، فكيف سيقف أمام الديّان العادل الذي لا يحابي الوجوه، ولا يكيل بمكيالين مثل الولايات المتحدة أو الأمم المتّحدة ألتي أصبحت تدافع عن ظالمين أقوياء بدل ردعهم ومحاكمتهم... رحم الله تولستوي داعية السلام الذي قال: "إنّ الحرب التي تشنّها الدولة تُفسد الناس في عام واحد أكثر ممّا تُفسدهم ملايين جرائم النهب والقتل ...". ما أحوجنا إلى خطوة جريئة تُبنى فيها من جديد هيئة دوليّة نزيهة شريفة بدل الأمم المتّحدة، ومن غير أن نرى شعوبًا تتحكّم بها القوى العظمى وتستعبدها! ما أحوجنا إلى هيئة إصلاحيّة تُسَنّ فيها القوانين لجميع الدول بالسواسية، من غير تمييز. وألا تصبح فيها وزارات تعمل بقانون "الكيل بمكيالين"، أو بتمييز ونعرة، ومراقبين دوليين خلوقين متخصصين في قوانين المحاباة والمحسوبيات... ومن غير تمييز طبقيّ بين دولة وأخرى ما يؤدّي إلى إحباط النفوس ويزيد من بطش الأشرار بها... إنّ معاملة الغرب لبعض الدول العربيّة مبنيّة على هذا الأساس البغيض، يُصبح فيها الإرهابي "رجل سلام"، والمظلوم يتعرّض للقتل والسجن وتُجرف أراضيه ويُهدم بيته، ومع ذلك يوصف بالإرهابي حينما يدافع عن حقوقه المشروعة. حتّى الموت يخضع لمعادلة "الخيار والفقوس" تُقتل آلاف مؤلّفة من البشر، بالاضافة إلى تدمير كلّيّ للبنية التحتيّة والمنازل والمصانع ، ولا أحد ينطق ببنت شفة! خاتمة بعض الزعماء منافقون يتلوّنون بمبادئهم وقراراتهم تتّسم بالتناقضات... بخلاف تولستوي الذي نبذ العنف ونادى بالمقاومة السلمية، وروايته "الحرب والسلم" تتربّع على قمّة الأدب الواقعي، مع رواية أخرى بعنوان "أنّا كارنينا"، وتُقدّم هاتان الروايتان صورة واقعيّة للحياة الروسية في تلك الحقبة الزمنية. ولعلّ بعض كلماته صدى للأقوال السيّديّة: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض حيث يفسد السوس والعثة والآكلة وحيث يسرق السارقون وينهبون، بل اكنزوا لكم كنوزًا في السماء حيث لا سوس ولا آكلة، فحيث يكون كنزكم، هناك يكون قلبكم".