موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٣ أغسطس / آب ٢٠١٩

أنواع الإدمان وأسبابه

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

الإدمان بأنواعه يُعدّ مرضًا يمارس فيه الإنسان المدمن سلوكًا سلبيًا تعوّد عليه من أجل تحقيق راحته العقلية والنفسية. مثل التعوّد على أنواع معيّنة من الأعشاب المخدّرة أو العقاقير المنوّمة أو المهدّئة للأعصاب، أو لعب القمار، أو تناول أطعمة معيّنة باستمرار، أو تكرار غسل اليدين ... إدمان في إدمان. إدمان الكحول أو التدخين أو الشوكولاتة أو التسوّق وغيره كثير... وإدمان العصر الحالي يشمل: الإدمان على "الحياة الرقمية" (الإدمان الالكتروني) في أحدث إدمان من نوعه، يعدّ العلماء الجلوس أمام الكمبيوتر من أجل تصفّح الانترنت او ممارسة الألعاب الالكترونية أو مشاهدة الفيديو واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة أخطر أنواع الادمان، لما يحمله من عواقب سلبية على حياة الفرد والمجتمع. والمدمن على "الالكترونيات" يفضل الانزواء والانعزال متناسيًا دوره في الحياة الاجتماعية. كما أنّ نتائج هذا الإدمان سيئة على الكبار والأطفال بسبب التعرّض للكهرباء والضوء لفترات طويلة جدا. وتظهر على المدمن أعراض نفسية منها الكآبة والتوتّر والنشوة في استخدام الكمبيوتر وغيره. وأعراض جسدية منها آلام في الظهر والرقبة ورسغ اليد ومشاكل في العيون وغيرها ... لذلك علينا التمييز بين الحاجة الفعلية للكمبيوتر لإنجاز الأعمال الملحّة الضرورية، وبين الوسائل الترفيهية مثل الألعاب والفيديو والدردشة التي تنقلب فيما بعد إلى إدمان فعلي. ويعنينا أيضًا إلقاء الضوء على إدمان "العمل": هذا الإدمان هو الآخر مشكله نفسيّة واجتماعيّة معًا. يعرِّف قاموس علم النفس هذا الإدمان أنّه العمل بشكل إلزامي وأيضًا بشكل مضنٍ، يستنزف فيه المدمن كلّ طاقاته الجسديّة والنفسيّة، ضاربًا عرض الحائط التّوازن ما بين العمل والراحة، ويتخطّى المدمن للعمل جميع الأعراف والحدود لإهدار حالته الصحيّة، ويمارس عمليّة الانتحار البطيء من غير وعي وعن غير قصد. ولا يستمع لنصائح المقرّبين إليه في الإعتناء بصحّته وتخفيف ساعات العمل، إذ يشعر بالذنب عندما لا يعمل ، ويستهجن الجلوس والاسترخاء وكأنّه عيب أو حرام أو جريمة. أنت وأنا مدمنا عمل إن كنّا "نحمل السلّم بالعرض" ولا نحدّد ساعات عملنا . نعمل ليل نهار سبعة أيام في الأسبوع، متغافلين عطلة نهاية الأسبوع . كما أنّنا نغيّر مواعيد الوجبات الغذائيّة طبقًا لظروف العمل، بدل تنظيم برامج العمل بناءً على مواعيد الوجبات. يستقبل الهاتف المكالمات بشكل دائم، حتى في أثناء القيادة، ويوضع قرب السرير في غرفة النوم، إذ أنّ كلّ مكالمة ضروريّة لا غنى عنها، حسب تصوّر المدمن. وتستمرّ المكالمات الهاتفيّة في أثناء السفر مع فلان وعلاّن، ولا مانع لدينا من سهرات العمل في ساعات متأخرة من الليل بدل النوم. حتى ساعات نومنا لا تريحنا لأن العقل الباطن يعمل لدينا لحلّ قضايا العمل. نحن مدمنو عمل إن كنّا نسافر فيما يسمّى بالإجازة السنويّة من أجل ممارسة أعمالنا في الخارج . أو نشعر بالتعب عندما لا يكون لدينا أي عمل ونجد صعوبة في الاسترخاء لذلك لا نحدّد أوقاتًا معيّنة للعمل ، فيشكو الأهل والأقارب من انشغالنا عنهم، حتى أننا نعمل في أثناء الأكل، أو نفكّر في قضايا العمل أو نستمع إلى نشرة الأنباء، ولا مانع لدينا أحيانًا من مشاهدة برامج التلفاز. ممّا يزيد الطين بلّة التهامنا الطعام بسرعة من غير أن نستمتع به ونتذوّقه على مهل ، فلا يستغرق ذلك أكثر من عشر دقائق. الوقت من ذهب وتحديد نصف ساعة للوجبة في رأينا مبالغ فيه. نعمل في كلّ مكان، وحجم مسؤولياتنا كبير ولا يمكن التقليل منه بل الأفضل الإضافة عليه، ودائمًا الوقت غير كاف لإنجاز كلّ ما يجب إنجازه. اهتماماتنا خارج العمل قليلة؟ والعمل أساسي أكثر من أيّ شيء آخر في الحياة - مثل الحياة العائليّة أو الاجتماعية أو الاهتمامات الصحية، لذلك نعاني من مشاكل صحية أكثر من غيرنا نتيجة الضغوطات وإهمالنا للياقة البدنية والتمارين الرياضيّة أو المشي على الأقلّ. في دراسات "إدارة الأعمال"، المدير الإداري الناجح هو الذي يوزّع الأعمال على الموظّفين ولا يكدّسها ليُنجزها بنفسه، بخلاف مدمن العمل الذي يعمل ويعمل، حتّى أنّ معارفه والزملاء يستغلّون ولعه بالإنجازات و"يحرثون عليه" ويطلبون منه إنجاز أعمالهم فيقوم بها، وهم يبيّضون وجوههم أمام المسؤولين، فيقوم بعمل أمين السرّ وأمين الصندوق والصحافي وكاتب المقال والمدرّس! على مدمن العمل أن يوجّه بعضًا من الطاقه المفرطة التي يشعر بها إلى مجالات أخرى خاصة المجال الصحي والتمارين الرياضية، من أجل تحقيق التوازن ما بين العمل والحياة. وأن يطلب من المقرّبين إليه تنظيم جدول أعماله وأوقات راحته ، كي يسمح لنفسه بأوقات للاسترخاء. ينسى المدمن أنّ جسده أمانة من لدنه تعالى وأنّه سيحاسب على مدى رعايته لصحّته وأنّ "لبدنه عليه حقًّا"... ويجب أن لا يتسرّع في قبول أعمال غيره بل يجب أن يتروّى قائلاً: "سوف أنظر في جدول أعمالي وبناءً عليه أقرّر". والأهمّ من ذلك مخالفة مدمن الإنجازات لوصيّة الله: "لا تقتل" في حالة استمراره للعمل من غير تغيير جذري لأنّه بهذا يقتل نفسه قتلاً بطيئًا. خاتمة الأسباب الجوهرية المؤدّية إلى الإدمان: الأسباب النفسية وتليها الأسباب الثقافية، بما فيها التقاليد الشعبية التي تجعل الإدمان أمرًا عاديًا مثل الإدمان على تدخين عشبة القات في اليمن... وأخيرًا وليس آخر الكلّ شأنًا "أم لستم تعلمون أنّ أجسادكم هيكل روح القدس وأنّكم لستم لأنفسكم" (1 قور 19:6)... ما هذه الكرامة التي يسبغها الله على الإنسان؟! وعلى الإنسان بدوره الاّ يستخفّ بهذه النعمة والأمانة فيصون جسده من شتّى أنواع الإدمان كي "يمجّد الله في جسده" (1 قور 6: 20). و"صحتك في الدنيا"!