موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٣

قليل في الجيوب ... كثير في القلوب

قليل في الجيوب ... كثير في القلوب

قليل في الجيوب ... كثير في القلوب

الأب رفعت بدر :

 

ولدت في هذا البيت قبل 52 عامًا بالتمام والكمال، من والد ووالدة تقيين، رحمهما الله اليوم، لكنّهما بلا شك، كانا فرحين بهذا اليوم عام 1971. وبلا تعقيدات المباهج الميلادية مثل اليوم، فلا بلالين، ولا شوكولاتة عليها اسم المولود، ولا إشارة تشير إلى اللون الأزرق للمواليد الذكور، والزهري للإناث. أتت "الداية"، وكما علمت بعدها بأنّها كانت والدة الخوري خليل بديوي رحمهما الله. خرجت وقتها إلى النور، وتم تقديم ضيافة القرفة... وكان الله في السر عليمًا.

 

في هذا البيت المكوّن من غرفة واحدة، ومطبخ صغير، وحمّام خارجي، تربينا نحن أربعة أولاد واختنا العزيزة، والوالدة والوالد الذي كان يعمل في المستشفى الإيطالي في عمّان، ويأتينا يومين فقط في كلّ شهر، وكان يغمرنا بالحب والفرح للثمانية وعشرين يومًا من الشهر.

 

برنامج الطفولة اليومي، كان الصلاة في كنيسة الرعيّة التي أُسّست مع بداية القرن العشرين، واتباع الدراسة في مدرسة البطريركية اللاتينية المؤسسة عام 1945. وكان للحقل دوره أيضًا في إمضاء الوقت ومساعدة الأهل في الحصاد والزراعة وقطف الزيتون والفقوس والبندورة وجميعها خالية تمامًا من أي مواد كيماوية... أما التكنولوجيا، فلم تكن موجودة، لأنّ الكهرباء نفسها لم تكن واصلة بعد إلى هذه البلدة الواقعة على طرف الغور، من لواء عجلون ومحافظة اربد آنذاك. فكانت متعتنا بالإصغاء إلى قصص الجد أبو عبدالله رحمه الله، وكان يسرد القصص والنكات بطريقة علمتنا فن الخطابة والتأليف والإعلام. بالإضافة إلى راديو عالبطاريات كانت الجدّة أم عبدالله رحمها الله تسمح لنا بالإصغاء إليه لبضع دقائق يوميًا.

 

وهكذا عدت يوم أمس إلى الوهادنة، وأخذت الصورة المرفقة، لأشكر الله على أكثر من نصف قرن مضت، كانت عائلتي، من ضمن الناس المتمسّكين بالإيمان بالله الذي يسيّر الكون بحكمة ودراسة، والفخورين بفقرهم وقنوعين ما يملكونه من قليل المال في الجيوب، وكثير الحب في القلوب...