موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣ أغسطس / آب ٢٠٢٣

في الروبوتات التي تغزو بيوتنا وعالمنا

في الروبوتات التي تغزو بيوتنا وعالمنا

في الروبوتات التي تغزو بيوتنا وعالمنا

الاب رفعت بدر :

 

أصبح متعارفًا عليه حين التسجيل لأية عملية شراء أو تسوّق إلكترونيّة، أن يسألك الكمبيوتر هل أنت «روبوت» أم إنسان؟ فتضع بكل ثقة أنك إنسان على فراغ الأجوبة لكي تؤكد بأنك لست روبوتًا. والروبوت هو الإنسان الآلي الذي أصبح أكثر تقنية وأكثر برمجة وأكثر إجابات على تساؤلات أو أسئلة الإنسان.

 

وقديمًا كنا نسمع الإنسان الآلي الذي يتحرّك فقط، أو يقوم ببعض الأعمال «الشاقة»، ولكن اليوم نحن نتكلم عن الإنسان الآلي الذي يريد الصانعون أن يحدثوا فيه «معجزات» من خلال تطعيمه بالمشاعر الإنسانيّة وردّات الفعل غير المبرمجة.

 

ولذلك قبل أسابيع ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار عن «زواج» ايلون ماسك، مالك تويتر الملياردير، من إحدى صنائعه أي الإنسان الآلي (الذي يسمّى أحيانًا بالإنسانآلة)، ولكن تم فيما بعد الكشف بأن هذه الأخبار عارية عن الصحة وبالتالي هي Fake News أو أخبار مزيفة.

 

فكرت بالأمر مليًا وقتها، ورأيت بأنّ الهدف وراء هذه الأخبار المزيفة كان أفكارًا «مزيفة» أيضًا عن سر الزواج المقدّس الذي هو شركة روحيّة وجسديّة بين رجل وامرأة، لكنه هنا أصبح «تصنيعًا» و«تطويعًا» لشريك الحياة بحسب ما يريد الشريك الأوّل أن يراه في رفيق دربه طوال هذه الحياة.

 

طبعًا الخبر مرّ مع تعليقات كبيرة من الجمهور، ومنها الجديّ، ومنها المتهكّم، ولكنه يدلّ إلى أي مدى قد تصل فينا درجات التفكير بالإنسان الآلي الذي لا يحدّه حدود في الذكاء الاصطناعي. ويريده الانسان، ولو مجرد فكرة، أن يكون مطاوعًا لرغباته وأفكاره وأحلام حياته عن المستقبل السعيد. وهنا نشكر الله تعالى الذي خلق الطبيعة في الإنسان، وخلق الإنسان عاقلاً مدركًا مفكرًا ومليئًا بالمشاعر، الأمر الذي لا تستطيع كل تقنيات العالم أن تضعه في «جسم» الإنسان الآلي أو الروبوت.

 

هل سيغزو الروبوت كل الأمكنة ويصبح بديلاً عن الإنسان في عدد من المراكز والمصانع والمكاتب؟ الأمر هوbusiness  وخاضع لحسابات الربح والخسارة، والذي يفكر به بعض رجال الأعمال، هو تخفيض أجور العمال لديهم، من خلال الاستغناء عن الإنسان العامل المجد المواظب الممتلئ أمانة وإخلاصًا وودًا ومشاعر. والاستعاضة عن دفع الرواتب، كرمال «الروابت»، وعدم دفع الحقوق العماليّة والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. طبعًا سيكون هذا وبالاً وسلبيًا على الإنسان الذي يريد أن يعمل، ويتفاعل بشكل إنساني مع أصحاب العمل، لكنّه يستبدل بالإنسان الآلي الذي فقط يطبق تعاليم بدون تفكير وبدون خيارات وبدون مشاعر، وبدون الحيويّة اليوميّة بين العامل ومديره، في ايام السرّاء، كما في الضرّاء.

 

دعاؤنا أن تكمل البشرية مسيرة التقنية والعلم والتطور والاختراع، وبالأخص في مجال الذكاء الاصطناعي الذي بات من أكثر التخصص إقبالاً وقبولاً لدى خريجي الثانوية العامة، وهذا طبعًا مشرّف للعقل البشري الذي ينقلنا في كل حين إلى آفاق جديدة. ولكن علينا أن نميّز ما بين الإنسان المخلوق من يد الخالق، والذي لا تستطيع أي قوة خلّاقة ومبدعة أن تأتي بمثله، وبين الإنسان الآلي الذي وضع لخدمة الإنسان وليس ليكون بديلاً عن الإنسان، وبالأخص في الشركة الزوجية والحياة العائليّة التي لن يأتي أحدٌ ولا شيء لكي يحلَّ مكانها. وكذلك دعونا نحافظ على حق الإنسان الأصلي، وليس الآلي، بالعمل الكريم وكسب قوته وقوت ابنائه بعرق جبينه الكريم والأصيل والنبيل.