موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢
تقرير ميونيخ ومحاربة بندكتس السادس عشر للاعتداءات على القاصرين
كان ما أثاره التقرير الصادر مؤخرا حول تعامل رؤساء أساقفة ميونيخ وفرايزنغ مع حالات الاعتداء على القاصرين خلال فترة طويلة من الزمن محور مقال لمدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية أندريا تورنييلي، توقف فيه أيضا عند محاربة البابا الفخري والكنيسة لهذه الظاهرة البشعة.

أبونا وفاتيكان نيوز :

 

يسلّط الضوء في هذه الأيام على السنوات التي كان فيها البابا الفخري بندكتس السادس عشر رئيسًا لأساقفة أبرشيّة ميونيخ وفرايزنغ في ألمانيا، أي من 1977 وحتى 1982، وذلك مع صدور تقرير لمكتب محاماة كلفته الأبرشيّة بالتحقيق حول حالات اعتداءات جنسية وكيفية تعامل الأساقفة معها.

 

ويوثّق التقرير الجديد 497 اعتداءً ارتكب في الفترة الممتدة بين عامي 1945 و2019 (تشمل إلى جانب الكاردينال جوزيف راتزنغر عددًا من رؤساء أساقفة الأبرشيّة، بدءًا من الكاردينال ميخائيل فون فاولهابر وصولاً إلى رئيس الأساقفة الحالي الكاردينال رينهارد ماركس)، مع توثيق أسماء 65 معتديًا، بعضهم ثبتت جريمته، وبعضهم لا يزال مشتبهًا به.

 

وقال المحامي مارتين بوش عند إعلانه صدور التقرير إن حالتين من حالات الاعتداء المذكورة، ارتكبت عندما كان راتزنغر يتولى مهام رئاسة أبرشية ميونيخ وفرايزنغ، ولكن "المعتديان بقيا نشطين في مهام العناية الرعوية". وبحسب التقرير، أجاب البابا السابق عن أسئلة مكتب المحاماة بعشرات الصفحات، عبّر فيها عن دعمه للتحقيق، ونفى علمه بتهم الاعتداء الجنسي، أو تلكؤه في اتخاذ إجراءات بشأنها. ولكن التقرير يورد محضرًا يشير إلى وجود راتزنغر في اجتماع نوقشت خلاله القضية.

 

وقال مكتب الصحافة التابع للكرسي الرسولي، في بيان الخميس، أنه سيطلع على تفاصيل التقرير، مجدِدًا التعبير عن "الشعور بالعار والندم على الانتهاكات التي ارتكبها كهنة بحق قاصرين". كما عبّر عن دعمه للضحايا وعن نيته الاستمرار في نهج حماية الأطفال وتوفير مساحات آمنة لهم.

 

 

التقرير ومحاربة بندكتس للاعتداءات على القاصرين

 

بيّن مقال لمدير التحرير في دائرة الاتصالات الفاتيكانية، السيد أندريا تورنييلي، إلى عدم صمت البابا بندكتس إزاء هذه التقرير، فقد أكد نيته الرد على التساؤلات التي يطرحها التقرير المذكور، وحول فترة رئاسته الأبرشيّة والتي استمرت لمدّة أربع سنوات ونصف، حيث أجاب الكاردينال راتزنغر في 82 صفحة. ثم توقف المقال عند الاتهامات الموجهة إلى رئيس الأساقفة راتزنغر والتي يُعرف البعض منها منذ أكثر من 10 سنوات. وتشمل الاتهامات اليوم 4 حالات، وقد ذكر سكرتيره الشخصي المطران غيورغ غينسفاين أن البابا الفخري سيصدر بيانًا مفصلاً بعد انتهائه من دراسة التقرير.

 

ويذكِّر المقال بإدانة بندكتس السادس عشر بقوة لهذه الجرائم من جهة، وبما تم القيام به في الكنيسة أمام هذه الأعمال البشعة خلال السنوات الأخيرة من جهة أخرى، وذلك بدءًا من حبرية البابا الفخري. وتحدث تورنييلي في هذا السياق عن تكرار كلٍّ من البابا بندكتس السادس عشر والبابا فرنسيس وصف الاعتداءات على القاصرين بجريمة رهيبة، جريمة تصبح أكثر إثارة للاستياء والتقزز حين يقوم بها أشخاص من الإكليروس. وقال: أنهما لم يكلا عن تكرار بشاعة تعرض القاصرين للعنف من قِبل كهنة أو رهبان أوكَل إليهم الوالدون هؤلاء الصغار لتربيتهم على الإيمان، ولا يمكن القبول بأن يصبحوا ضحايا متحرشين جنسيين مختبئين خلف ملابس كنسية. وذكّر مدير التحرير هنا بكلمات يسوع "وأَمَّا الذي يَكونُ حجَرَ عَثرَةٍ لأَحدِ هؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنينَ بي فَأَولى بِه أَن تُعلَّقَ الرَّحى في عُنُقِه ويُلقى في عُرْضِ البَحْر" (متى 18، 6).

 

وانتقل المقال إلى الحديث عن محاربة الكاردينال راتزنغر لهذه الظاهرة البشعة في المرحلة الأخيرة من حبرية البابا القديس يوحنا بولس الثاني، وذلك حين كان عميدًا لمجمع العقيدة. وبعد انتخابه أصدر البابا بندكتس السادس عشر إجراءات قاسية ضد المعتدين من الإكليروس، وما يمكن اعتبارها قوانين خاصة لمواجهة الاعتداءات على الأطفال. وأوضح بأنّ البابا الفخري قد شهد بمَثله الشخصي الملموس للحاجة الملحة إلى تغير كبير في العقلية لمحاربة ظاهرة الاعتداءات، وذلك بالإصغاء للضحايا والقرب منهم وطلب مغفرتهم. وأضاف مدير التحرير أن ضحايا الاعتداءات وأقاربهم كان يتم لفترة طويلة إبعادهم بدلاً من اعتبارهم أشخاصًا جرحى من الضروري استقبالهم ومرافقتهم في مسيرة الشفاء، بل وحتى كان يعتبرهم البعض أعداءً للكنيسة وسمعتها.

 

كان البابا بندكتس السادس عشر، بالتالي، أول حبر أعظم يلتقي ضحايا الاعتداءات خلال زياراته الرسوليّة، وكان البابا الفخري، حسب ما تابع أندريا تورنييلي، ووسط عواصف فضائح ايرلندا والمانيا وجه كنيسة تائبة، تتواضع وتطلب المغفرة وتشعر بالندم والألم، الشفقة والقرب. وكان هذا الندم محور رسالة البابا الفخري، حيث تحتاج الكنيسة إلى طلب المغفرة والمعونة والخلاص ممن يمكنه وحده أن يعطيها هذا، المسيح المصلوب الذي كان دائمًا إلى جانب الضحايا.

 

وذكّر أندريا تورنييلي في ختام مقاله بإدراك البابا بندكتس السادس عشر في كلماته سنة 2010، خلال توجهه إلى لشبونة، بأن معاناة الكنيسة تأتي من داخلها، مما فيها من خطيئة، وعليها بالتالي تعلُّم التوبة وتقبُّل التطهر وتعلُّم أيضا المغفرة وضرورة العدالة. وكانت هذه كلمات سبقتها ولحقتها أفعال ملموسة لمحاربة ظاهرة الاعتداء على القاصرين، محاربة سيساهم فيها التقرير الأخير في حال عدم تحويل محتواه إلى عملية بحث عن كبش فداء أو إصدار أحكام عامة.