موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الجمعة، ١٥ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١
15 تشرين الأول: القديسة تريزيا الأفيليّة، البتول ومعلمة الكنيسة

إعداد الأب وليم عبدالمسـيح سعيـد الفرنسيسكانـي :

 

ولدت القدِّيسة تريزا الأفيليّة (ليسوع)، في أفيلا بإسبانيا يوم 28 آذار عام 1515، من أبوين فاضلين يتقيان الله، وسط عائلة كبيرة مؤلّفة من تسعة إخوة وثلاث أخوات. في طفولتها، وفي سن التاسعة فقط، تمكّنت من قراءة سير بعض القدِّيسين التي توحي إليها بالرَّغبة في الشهادة.

 

كانت تريزا في الثالثة عشرة من عمرها عندما فقدت والدتها. فأحسّت بالضياع. ولكنّها ذهبت وانطرحت أمام تمثال السيّدة العذراء، مصليةً بدموع حارة، طالبةً من العذراء أن تكون من الآن فصاعداً أمَّها. انقضت أيام الحزن، فانصرفت تريزا للهو والتبرّج. ففقدت تقواها، وفترت عبادتها، وانعكفت على مطالعة سير الفروسية والحبّ، كما ابتعدت عن الكنيسة وحضور القداس.

 

عندما شعر الوالد التقي بما يتهدّد ابنته من مخاطر، قرر إنقاذها. فوضعها كطالبة داخلية في مدرسةِ الراهبات الأوغسطينيات في دير "سيّدة النعم". فما لبثت تريزا أن عادت إلى جو الصلاة والتقوى وتذوّقِ أمورِ الروح. حتى في كفاحها ضدّ المرض، رأت القدِّيسة كفاحًا ضدّ ضعفها ومقاومتها لنداء الله، وكتبت: "كنت أرغب في العيش لأنّني فهمت جيِّدًا أنّني لم أكن أعيش، بل كنت أصارع ظلّ الموت؛ لم يكن لدي أحد ليعطيني الحياة، ولم أكن قادرة على إعطائها لنفسي. الرب وحده القادر على منحها لي. لقد أرشدني مرّات عديدة، ولطالما تجاهلته".

 

مطلع العام 1554، قرأت تريزا كتابًا بعنوان "اعترافات" للقديس أغسطينوس. هذا الكتاب الزاخر بمحبّة الله، الطافح بالندامة والرجوع إليه تعالى، فانفتحت عيناها على الأسرار العليا، وبدأت تحيا من جديد حياة الصلاة والحرارة والإماتة. وأخذت تقول: "الله وحده يكفيني". وعملت على إصلاح ذاتها قبل إصلاح غيرها. فعكفت على التأمّل والصلاة العقلية. وأخذت تختبر حالاتٍ من الانخطاف، فلجأت إلى استشارة لاهوتيين كبار، فطمأنوها إلى أن هذا كلّه مصدرُهُ الله، ولا خوف عليها. وأخذ الربّ يسوع يظهر لها، ويضرم قلبها بنار حبّه الإلهي، حتى إن أحد الملائكة طعنها بحربةٍ نارية اخترقت فؤادَها فألْهَبَهُ بنارٍ من الحبّ كادت لا تُطيق تحمّلَ لظاه. هذا، وقد بدأت تميت جسدها بشتى أنواع الإماتات. فكانت تلبس المسح الخشن وتزنّر جسدها بحزام من معدنٍ مسنّن، وتصوم وتصلّي، حتى أصبح جسدُها أسيرًا لنفسها المتعطشة لله، المشرقة بالأنوار السماوية.

 

بموازاة نضج روحها، بدأت القدِّيسة بتنمية مثال إصلاح الرَّهبنة الكرمليَّة. خلال سنة 1562، استمرَّت في تأسيس أديرة كرمليّة أخرى بلغ عددها 17 ديرًا. وفي سنة 1582، خلال رحلة العودة إلى أفيلا، رقدت في الرب ليل 15 تشرين الأول في ألبا دي تورميس، مكرِّرة بتواضع هاتين الجملتين: "في النهاية، أموت كابنة الكنيسة"، "لقد آن الأوان الآن يا عريسي لنرى بعضنا". إنّها حياة عاشتها في إسبانيا، لكنّها مكرسة للكنيسة جمعاء. بعد أن أعلنها البابا بولس الخامس طوباوية سنة 1614، والبابا غريغوريوس الخامس عشر قدّيسة سنة 1622، أعلنها خادم الله بولس السادس "معلمة الكنيسة" سنة 1970.