موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الخميس، ٤ أغسطس / آب ٢٠٢٢
والدا ألكسندرا نجار يقاتلان من أجل العدالة بعد عامين من انفجار بيروت

أ ف ب :

 

قبل عامين، جالت صورة الطفلة ألكسندرا نجار، محمولة على كتفي والدها، العالم بعدما قتلت في انفجار مرفأ بيروت المروّع. واليوم يكبر حزن وغضب والديها، بول وترايسي، ككرة ثلج بينما يخوضان رحلة شاقة من أجل تحقيق العدالة لابنتهما.

 

تقول ترايسي (36 عامًا) لوكالة فرانس برس "الحزن ذاته، لا بل يكبر، لأننا مع الوقت نشتاق لألكسندرا ونشعر أنها لم تعد معنا" لكن "وإن كنا نتعلمّ العيش مع الحزن، إلا أنّ ثمة قهرًا وغضبًا يكبران كثيرًا".

 

في الرابع من آب 2020، وعلى غرار آلاف العائلات اللبنانية، انقلبت حياة بول وترايسي نجار رأسًا على عقب. أطاح عصف الانفجار بمنزلهما المواجه للمرفأ وأودى بحياة طفلتهما الوحيدة ذات السنوات الثلاث، إحدى أصغر ضحايا الكارثة، لتبدأ بعدها رحلة شاقة للمطالبة بالعدالة في بلد تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود.

 

يحيي لبنان الخميس الذكرى الثانية لانفجار المرفأ الذي يعد من بين أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، وقد أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وأصاب أكثر من 6500 آخرين بجروح، ملحقًا دمارًا واسعًا بأحياء العاصمة.

 

نجم الانفجار، وفق السلطات، عن تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقًا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكنًا.
 

"متعبون"

 

من داخل منزل في بلدة بيت مري الجبلية، على بعد عشرة كيلومترات من بيروت، انتقلت اليه العائلة منذ الانفجار وتزيّن جدرانه ورفوف مكتبته صور ألكسندرا بشعرها الأشقر وابتسامة لا تفارق محياها، تقول ترايسي بغضب "في البدء، كان يحدونا الأمل لأن الناس قربنا وتتظاهر معنا في الشارع، لكننا بتنا نشعر اليوم أننا لوحدنا". وتتابع بحرقة "أعرف أن كثراً يساندوننا، لكنني أقول دائماً إنها قضية بلد لا قضية" عائلات الضحايا فحسب.

 

بعد وقوعه، أجّج الانفجار غضب الشارع الذي كان ناقمًا أساسًا على الطبقة السياسية ويتظاهر ضدها منذ 17 تشرين الأول 2019، متهمًا إياها بالفساد والإهمال والفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة. وحصلت مواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية.

 

لكن زخم الشارع تراجع تدريجيًا بعدما أرخت تبعات الانهيار الاقتصادي غير المسبوق بثقلها على حياة اللبنانيين، ثمّ على وقع التدخلات السياسية في التحقيق منذ الادعاء على مسؤولين سياسيين.

 

ويثير التحقيق انقسامًا سياسيًا مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز على عمل المحقق العدلي. ومنذ نهاية 2021، لا يزال التحقيق معلّقًا جراء دعاوى ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، رفعها تباعًا مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون.

 

لا يخفي بول نجار، الذي واظب وزوجته على المشاركة منذ عامين في التحركات، الشعور بالتعب أحيانًا.

 

ويقول، وخلفه صورة طفلته ترفع العلم اللبناني خلال مشاركتهما في إحدى التظاهرات ضد الطبقة السياسية، لفرانس برس "كنا متفائلين بأن الناس ستتبنى هذه القضية (..) لكن للأسف نشعر وكأن الشعب بات فاقداً للأمل أو كسولاً وإما لديه وجهة نظر مختلفة كليًا". ويضيف "من المتعب أن تعيش في بلد يفتقد للعدالة وتبقى تبحث عن وسائل جديدة" لبلوغها في ظل تعليق التحقيق المحلي.

 

على غرار عائلات كثيرة، يؤكد الأب المفجوع فقدانه الأمل بتحقيق العدالة في بلده، مطالبًا بتشكيل "بعثة تقصي حقائق"، انطلاقًا من أنّ "المجرم لا يحاكم نفسه" في إشارة الى الطبقة السياسية التي يتهمها ولبنانيون كثر بـ"التواطئ" في الانفجار وبالتقصير.

 

ودعت أكثر من خمسين منظمة لبنانية ودولية وعائلات الضحايا منتصف حزيران 2021 مجلس حقوق الإنسان إلى "إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلة ومحايدة، من قبيل بعثة لتقصي الحقائق لمدة سنة"، من دون أن يلقى طلبها آذانًا صاغية.

"حتى الموت"

 

يعدّد النائب ملحم خلف، النقيب السابق لمحامي بيروت والمواكب لتحركات أهالي الضحايا، أسبابًا محلية وخارجية لـ"تعثر" التحقيق، على رأسها "زجّ الملف في تجاذبات سياسية، وتحويل المطالبة بالحقيقة إلى وجهة نظر، كل واحد يتنازع عليها".

 

ولم تلب دول عدة طلبات لبنان تزويده بصور الأقمار الاصطناعية للحظة وقوع الانفجار. ولم يتسلم القضاء بعد تقارير نهائية من خبراء أجانب شاركوا في التحقيقات الأولية.

 

ويقول خلف، الذي تقدمت نقابة المحامين في عهده بشكاوى قانونية لمقاضاة الدولة ممثلة أكثر من 1200 عائلة من متضرري الانفجار، "يعطي ذلك كله صورة عن التعثر داخلياً وخارجياً، وعن عدم نية، لا بل عن رغبة معاكسة لمن يريد الحقيقة والعدالة".

 

ويدعو "السياسيين إلى رفع يدهم عن القضاء كي يتمكن القضاء أولاً من إحقاق الحق، وبعدها العدالة" مناشداً أهالي الضحايا "متابعة العمل.. وعدم فقدان ثقتهم بالقضاء اللبناني".

 

في بيت مري، لا يتوقف هاتف ترايسي عن الرنين. تجيب على اتصالات ورسائل وقربها صور ابنتها وحاجيات طفلها الجديد أكسل الذي ولد في آذار واصطحبته الشهر الماضي الى وقفة نظمتها عائلات الضحايا في بيروت.

 

وتقول لفرانس برس "ستكون قضية الرابع من آب جزءًا من حياته. نردد دائماً أننا سنناضل من أجل العدالة والحقيقة حتى نموت". وتضيف بحزم "إذا متنا ولم نحققها، أريد لأكسل أن يهتم بالقضية وأن يعيش.. حياة النضال والعدالة والحقيقة".