موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢
مكرسون ومكرسات من حول العالم في خدمة كنيسة الأرض المقدسة
"تقدّسوا، لأنّ الرّب في غدٍ يصنع في وسطكم عجائب" (يشوع 3: 5)
البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا متوسطًا أعضاء حركة يوحنا المعمدان، في طبريا، نيسان 2022

البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا متوسطًا أعضاء حركة يوحنا المعمدان، في طبريا، نيسان 2022

مكتب إعلام البطريركيّة اللاتينيّة :

 

 

يختار الناس من جميع أنحاء العالم تكريس حياتهم لله والكنيسة. رجال ونساء يعيشون معًا ويبرزون الوعود ويقومون بخدمة مجتمعهم. هدفهم الأساسي هو خدمة الناس والكنيسة. الجميع يمكنهم أن يكرسوا حياتهم لله والكنيسة. ومع ذلك، يتبادر إلى ذهننا دائمًا الكهنة والرهبان والراهبات.

 

فماذا عن المكرسين؟ من هم؟ وكيف اختاروا هذا الطريق؟

 

كاثلين (إلى اليسار) تقود حجاجًا إلى دير القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس في وادي القلط

كاثلين

 

"أنا كاثلين نيكولز، من الولايات المتحدة الأميركيّة، أحب الجبال والمشي لمسافات طويلة. أنا مكرسة في حركة "مكرسات من أجل الملكوت" منذ حوالي ثلاثين سنة، يتعهد أعضاء الحركة بعيش حياة الفقر والعفة والطاعة وخدمة المجتمع".

 

لن يلحظ أحد أنّ هذه المرأة المفعمة بالحيويّة، والتي تعمل مع حجاج في بيت الضيافة في مجدلة وتعمل على تنظيم رحلات الحج الافتراضيّة خلال السنوات القليلة الماضية، قد أعلنت نذورها، وهي تعيش حياتها مع المكرسات في مجدلة، واختارت أن تكرّس حياتها لله "ليُرفع له كل الحب والبركات التي منحني إياها دائمًا". إنّ حياتها مكرسة لله وللكنيسة ولأعضاء الحركة.

 

تقول: "إذا كان هناك شيء واحد لاحظته في حياتي كمكرسة، والذي دفعني إلى السفر إلى عدّة بلدان مختلفة، هو ما يخاطب الناس عن الجمال والفرح. ويتم التعبير عن ذلك في الهندسة المعماريّة، في الفن، في الليتورجيا... إنّه يجعل الناس يتوقفون وينظرون ويتعجبون - إنها لغة عالميّة. هنا في الأرض المقدسة، يمكن اختباره بشكل خاص، حيث يستطيع الناس تذوق ورؤية التاريخ المسيحي. أتمنى لنا وللكنيسة أن نركز أكثر على ’الطريق‘ طريق الجمال الذي يوحدنا كخلائق لله تعالى".

 

إنّ الجمال والفرح من سمات المكرسين، وهو ما يختبره المرء بعمق عند زيارتهم. في طبريا، توجد حركة للمكرسين باسم يوحنا المعمدان، وقد نشأت بعد المجمع الفاتيكاني الثاني. هناك ترى الجميع مبتسمين. وعندما تسألهم عن اختيارهم للحياة المكرسة، يجيبون بنفس الكلمات: "الوحي"، "الفرح"، "والنعمة". على الرغم من أن طريقة انضمامهم للحياة المكرسة لم تكن سهلة.

كريستينا تعمل في مكاتب حراسة الأراضي المقدسة في دير المخلص بالقدس

كريستينا

 

"اسمي كريستينا وعمري 33 عامًا، وأنا من قرية صغيرة بالقرب من البندقية (ايطاليا). أنا مكرسة منذ خمسة عشر سنة في حركة يوحنا المعمدان، فقد كنت بعيدة كل البعد عن الإيمان والكنيسة إلى حين انضمامي إلى هذه الحياة المكرسة".

 

تعيش كريستينا مع باقي المكرسين في القدس، في  قرية صغيرة قريبة من عين كارم. من الصعب تصديق أن هذه المكرسة والتي تشع بنور الإيمان والهدوء، كانت بعيدة عن السيد المسيح. تقول: "ولدت في عائلة مسيحية، إلا أنني فقدت إيماني بالله فترة المراهقة. قضيت أوقاتًا خاطئة، ومع رفاق سوء، وكل ذلك رغبة في  تقليد الآخرين، لأنني لا أريد أن أكون وحيدة. لكنني أدركت ذلك فقط عندما سمعت صوت الله، من خلال حياة التكريس. فقد دخل المسيح حياتي وتغيّرت. وأنا سعيدة ومحاطة بأصدقاء جدد وحقيقيين".

 

تتمركز هذه الحركة في القدس وطبريا ولكنها ليست الوحيدة في الأرض المقدسة، فهناك عدد كبير في الأرض المقدسة، لشباب يكرسون حياتهم لله تعالى: مثل حركة الموعوظين الجدد، والكازانوفا، وعمانوئيل، وحركة الفوكولاري... تتعدّد الأسماء والكاريزما والروحانيات، ومع ذلك يسعى الجميع إلى وضع حياتهم في خدمة الكنيسة والشعب والمجتمع.

في كنيسة "هوذا الرجل" يصلي أعضاء حركة الحياة الجديدة القداس اليومي مع راهبات صهيون

كلير

 

تنتمي كلير إلى حركة "الحياة الجديدة" منذ عام 2002، وقد قررت تكريس نفسها بعد عدة اختبارات إيمانيّة مختلفة، وبعد الخبرة التي عاشتها في جمعية فرنسية نشأت عام 1973 بمبادرة كاهن يسوعي. تقول: "إنّ حياة الجماعة التي نعيشها، وهو أكثر ما جذبني للحياة المكرسة - هي دعوة لعيش شمولية الحياة وتنوعها".

 

تضيف: "خلال سنواتي الأخيرة في الناصرة وقبل انتقالي إلى القدس، كنا كلنا فرنسيين. وهذا ما يدفعنا أحيانًا إلى الإنغلاق على أنفسنا. إلا أني أعلم أنّ التوازن الحقيقي بين الرجل والمرأة وحياة الأزواج والمكرسين مهمة جدًا. فإن عيش حياتنا اليومية بأمانة وكل يوم يساعدنا على عيش حياتنا الخاصة".

 

أمضت كلير ست سنوات تعمل في حركة ليون الفرنسية، وست سنوات تعمل مع الشباب في مدغشقر والتي تصفها بأنّها "واحدة من أفضل تجارب حياتها"، بالإضافة إلى ثلاث سنوات في القدس، ومن ثم أربع سنوات في الناصرة. أصبحت الآن مسؤولة الحركة في القدس، والتي تعمل على الاهتمام بمزار وكنيسة "هوذا الرجل" مع راهبات سيدة صهيون.

 

تقول إنّ "حياة الجماعة التي نعيشها هنا مختلفة بعض الشيء لأنّ المزار يفتح أبوابه طوال الأسبوع، لذلك فهناك دائمًا واحد منا على الأقل يعمل. نصلي معًا دائمًا خلال القداس وصلوات الصباح والمساء، إلا أنه خلال النهار يكون الأمر  صعبًا بعض الشيء. نأكل مع الراهبات والمتطوعين، نقوم أحيانًا بغسل الأطباق بعد العشاء أو بخدمة الحجاج... نحاول مشاركة بعض الأوقات بين بعضنا البعض عدة مرات في الأسبوع، لأنها جزء من هويتنا وحياتنا المكرسة".

 

سئلت كلير عن رأيها بحياة الرهبنة وحياة المكرسين، فقالت: "عمليًا، أعتقد أننا متشابهون. لم أفكر مطلقًا بأن أكون راهبة، فقد وجدت دعوتي من خلال هذه الحركة التي أنتمي لها، كما أنه في كلا الدعوتين نبرز نذور التكريس، فنحن ملتزمون بالشيء نفسه، نتشارك نفس الدعوة ونفس الحياة في خدمة الرب والكنيسة".

بولس وأعضاء في حركته يستقبلون أول مكرس لبناني في الفوكولاري

بولس

 

بالنسبة لبولس، الذي أعلن نذوره الدائمة في حركة الفوكولاري عام 1992، لم تكن ملامح الحياة المكرسة واضحة له بشكل خاص. يقول: "بدأت أفكر في دعوتي عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري. لم أسأل نفسي حول الدعوة الكهنوتيّة أو الرهبانيّة. ولكني فكرت بأسلوب حياتي التي رغبت أن أعيشها: أن أعيش حياة نشطة أو تأملية. كانت إحدى عماتي من راهبات الكرمل، وعندما زرتها، تأثرت جدًا بطريقة حياتها وقربها من الله بطريقة تأملية ونسكيّة. ومن ناحية أخرى، تأملت حياة كاهن رعيتنا، الذي كان بين الناس، ولم يقضي وقته فقط لله تعالى، بل جعل من نفسه ومن تكريسه لله، من أجل خدمة الآخرين".

 

ومن ثم يقول: "كنت أعلم أنني أريد أن أعيش وأعمل من أجل الوحدة (هدف حركة الفوكولاري هو نشر الوحدة في جميع أنحاء العالم (يو 17: 21))، وأن اختار المسيح على الصليب، الذي صرخ "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" (مر 15: 34) ولكني لم أعرف كيف. ترددت أن أصبح كاهنًا، لأني خفت أن أكون فريسيًا في حياتي، أفسر وأشرح الأشياء للناس، ولكنني لم أختبرها بنفسي". وهكذا حاول بولس التعرّف على عدد من الحركات والتردد على حركة العلمانيين المكرسين.

 

في الجزائر، أثناء خدمته العسكريّة، برزت لبولس فكرة الدعوة إلى الكهنوت مرة جديدة، عندما رأى نقص المسيحيين في البلاد. لكنه لم يقدر أن يقرر لذا فقد قرر أن يعيش كلمات مؤسسة حركة الفوكولاري، كيارا: "عندما تتطلع إلى اتباع مشيئة الله، وتتردد بين شيئين، اختر الأصعب واسأل الله، إذا كنت مخطئًا، أن يعيدك إلى المسار الصحيح". يكمل بولس: "قررت التحدّث مع الأسقف حول الموضوع، أن أصبح كاهنًا للخدمة، لكي أساعد في سد فجوة الدعوات العالميّة. وكنت سعيدًا بقراري هذا. إلا أن كل شيء تغيّر، بعد أن عرض علي مشاركة الخيار مع حركة الفوكولاري. كان الأمر كما لو أن الغيوم قد تبدّدت في السماء. فقد كانت هذه المكالمة الهاتفية بالنسبة لي، من شخص لا يعرف شيئًا عن ترددي، الطريقة التي اختارها الله لي".

 

يفهم بولس بسبب تجربته الشخصية أهمية وجوهر الحياة المكرسة. يقول في هذا الشأن: "نحن لسنا مكرسين من دون سبب. إن حركة الفوكولاري حركة كنسيّة، وتضم أيضًا كهنة ورهبان، إلا أن معظم المنتمين إلى الحركة هم من العائلات أو أفراد. كما أن واحد من اهتماماتنا هو مساعدة العلمانيين ليصبحوا قادرين على تحمل مسؤولياتهم داخل الكنيسة – أن تكون "علماني ناضج". لذا فإن الحركة تحتاج إلى اثنين على الأقل من الأعضاء المكرسين المتزوجين كي يكونوا "نافذة مجتمعيّة" على العالم، مما يساعدهم على اتباع نهج مختلف عن الإكليروس".

 

يتابع بولس: "شعرت بنعمة خاصة خلال عشية عيد العنصرة، التي نظمتها جماعات وحركات جديدة، بمبادرة من غبطة البطريرك وبناءً على طلب جمعية عمانوئيل. الآن بعد أن أفكر في الأمر، فإنه يذكرني بما قاله لي الكاردينال دوفال من الجزائر عندما قررت أن أصبح مكرسًا: ’هناك حاجة ماسة إلى مكرسين مثلك وإلى اشخاص يصبحون كهنة أيضًا‘".