موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر Tuesday, 4 October 2022
زيارة البابا للبحرين تكشف الأبعاد السياسية لاستنكافه في حزيران عن المجيء إلى لبنان
Antoine Mekary | ALETEIA

Antoine Mekary | ALETEIA

الراي الكويتية :

 

تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون على خبر زيارة البابا فرنسيس للبحرين في الثالث من تشرين الثاني المقبل، في أول إطلالة لرأس الكنيسة الكاثوليكية من المنامة. وتأتي هذه المحطة البازرة بعد خمسة أشهر من الموعد الافتراضي الذي كان قصر بعبدا أعلن عنه محددًا زيارة البابا للبنان في 13 حزيران الفائت، قبل أن يعلن الفاتيكان أن البابا لن يزور بيروت لأسباب صحيّة.

 

تشكّل زيارة البابا للبحرين للمشاركة في لقاء حواري، يحضره كذلك شيخ الأزهر، بعنوان «منتدى الحوار: الشرق والغرب من أجل التعايش البشري» -وهو الموضوع الأقرب والأحبّ الى البابا- خطوةً تستكمل ما بدأه في زياراته للمنطقة، من الإمارات حيث وقّع وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر، ومن ثم الى العراق، علمًا أن ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة زار الفاتيكان عام 2014 والتقى البابا فرنسيس، الذي التقى في 2020 ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة. وسبق للبابا أن أشاد في تحيةٍ الى ملك البحرين في كانون الأوّل 2021 بتشييد البحرين كنيسة سيدة العرب، أكبر كنيسة في الجزيرة العربية.

 

بالنسبة الى لبنان تثير الزيارة البابوية استغرابًا في ضوء التعليل الذي أعطاه الفاتيكان سابقًا لتأجيل زيارة البابا لبيروت «لأسباب صحيّة». ورغم أن البابا فعلاً عولج جراحيًا في رجله ويسير بصعوبة، إلا انه قام بزيارة رسمية لكندا في تموز الفائت، وتنقّل عبر الكرسي المدولب. وأخيرًا شارك في مؤتمر حواري في كازاخستان في النصف الأول من أيلول، والآن يستعدّ لزيارة البحرين.

 

تساؤلاتٌ كثيرة طرحت على هامش تأجيل الزيارة البابوية التي أصرّ الفاتيكان على أنها أرجئت ولم تُلغ، علمًا أن البابا نفسه كان أكد خلال رحلته الى العراق في آذار 2021 أنّه سيزور لبنان. لكن جملة محطات سلبية حصلت منذ ذلك الحين، لاسيما ما أعقب زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون الثانية للفاتيكان في آذار الفائت، وكلامه حول سلاح حزب الله.

 

فقد جدد عون حينها دعوة البابا لزيارة لبنان ووعد البابا بتلبيتها. لكن القصر الجمهوري أعلن لاحقًا ومن طرف واحد أن البابا سيزور لبنان وأن لجنة رسمية شُكّلت لوضع تفاصيل الزيارة وتحضير الترتيبات. مع العلم أن العادة جرت أن يعلن الفاتيكان نفسه خبر الزيارة لا البلد المضيف، ولو أن القصر الجمهوري علّل ذلك بأن السفير البابوي جوزف سبيتري هو الذي أبلغ القصر بزيارة البابا. كما جرى التذرع لبنانيًا بأن البابا كان سيمرّ بلبنان في إطار سفره إلى القدس بهدف لقاء بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الأول الذي ألغى زيارته للقدس، فانتفى اللقاء بينه وبين البابا فرنسيس.

 

منذ أن انتُخب عون في 31 تشرين الأول 2016 والعلاقة مع الفاتيكان غير سوية. بدأت بمحاولة لبنان فرض تعيين سفير في الفاتيكان ينتمي إلى الماسونية الأمر الذي رفضه الفاتيكان فأصرّ عليه وزير الخارجية حينها جبران باسيل إلى أن رضخ لبنان وأرسل السفير انطونيو عنداري أولاً ثم السفير الحالي فريد الخازن.

 

زار عون الفاتيكان مرتين، في بداية عهده وفي نهايته. لكن الكرسي الرسولي لم يتعاط مع لبنان في مرحلة ست سنوات على أنه في قلب الاهتمام البابوي كما كان الأمر مع البابا يوحنا بولس الثاني. علمًا أن الحدث الأهم الذي حصل وعبّر عن اهتمامٍ فاتيكاني تجلى في انفجار المرفأ في 4 آب 2020 ومسارعة الفاتيكان الى المساعدة وإرسال موفد بابوي إلى بيروت.

 

ولاحقًا زار بيروت ولمناسبة مرور 25 سنة على زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان أمين سر الفاتيكان للعلاقات الخارجية بول ريتشارد غلاغر، وحملت زيارته أبعادًا مختلفة نتيجة ما نُقل عن دعوته إلى حوار مع حزب الله. وكُشف لاحقًا أن فرنسا كانت وراء حضّ الفاتيكان على هذا الموقف.

 

أعقبت زيارة عون كلام غالاغر وما قاله حول حزب الله الأمر الذي أثار رد فعل لدى معارضي الحزب فتحركوا في اتجاه دوائر الفاتيكان من أجل وضعه في جو العقبات الحقيقية بين القوى السياسية والإضاءة على دور العهد وحزب الله في ما وصل اليه الواقع اللبناني. والناشطون على هذا الخط كانوا يحبّذون إرجاء زيارة البابا التي كانت ستأتي في نهاية عهد رئاسي وبعد الخلافات الحادة التي أنتجها.

 

في كانون الثاني الفائت وخلال استقبال عون للسلك الديبلوماسي، تحدّث السفير البابوي داعيًا الى انتخابات (نيابية) حرة ونزيهة وإلى حوار صادق وقال «إن الحوار المستمرّ على الأصعدة كافة، وحده، وليس فرض الايديولوجيات، يستطيع أن يساعد في توضيح الاحتياجات الحقيقيّة لمختلف مكوّنات المجتمع اللبناني، والسماح باتخاذ القرارات الصحيحة وتنفيذها».

 

وحينها لفتت كلمة السفير البابوي الوسط السياسي كونها جاءت واضحة في رسائلها. لكن سبيتري أنهى مهمّته الديبلوماسية في بيروت وينتقل في مهمة أخرى الى المكسيك، في حين أعلن الفاتيكان تعيين خلف له يَعرف لبنان وسبق أن كان دبلوماسيًا في سفارة الفاتيكان لمدة ثلاث سنوات عام 2010.

 

بعد زيارتين للبابا يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر للبنان، كان اللبنانيون يأملون في زيارة البابا فرنسيس. لكن البابا الذي كانت له محطات عدة في اسرائيل والأردن وتركيا ومصر والعراق والإمارات وغيرها لم يقرّر بعد زيارة لبنان الذي تتبع كنائسه الغربية الفاتيكان وحيث الوجود المسيحي الأكبر والأهمّ في الشرق الأوسط.

 

لكن البابا ينتقي زياراته بعنايةٍ، والواضح أن ما يحصل سياسيًا لم يَلْقَ ردود فعل إيجابية في الكرسي الرسولي. وبما أن لا انتخابات رئاسية في الوقت القريب فهذا يعني بطبيعة الحال أن البابا لن يزور لبنان في وقت قريب ايضًا.