موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٨ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١
تطويب خادم الله خوان إلياس ميدينا و126 شهيدًا سقطوا خلال الحرب الأهلية الإسبانية
صرخ الكثير منهم خلال استشهادهم: "عاش المسيح الملك".
الكاردينال مارتشيلو سيميرارو مترئسًا قداس التطويب في كاتدرائية قرطبة الإسبانيّة

الكاردينال مارتشيلو سيميرارو مترئسًا قداس التطويب في كاتدرائية قرطبة الإسبانيّة

أبونا وفاتيكان نيوز :

 

ترأس عميد مجمع دعاوى القديسين الكاردينال مارتشيلو سيميرارو، السبت 16 تشرين الأول، في كاتدرائية قرطبة الإسبانيّة قداس تطويب خوان إلياس ميدينا و126 من رفاقه الشهداء الذين قُتلوا بسبب إيمانهم خلال الحرب الأهلية الإسبانيّة من 1936 حتى 1939.

 

والشهداء الـ127 هم 79 كاهنًا، و5 إكليريكيين، و3 رهبان فرنسيسكان، راهبة واحدة، و39 من المؤمنين العلمانيين (29 رجل و10 نساء). وقد قُتلوا في السنوات ما بين السنوات 1936 و1939 خلال الحرب الأهلية في إسبانيا وذلك في ثلاث مناطق من أبرشيّة قرطبة.

 

وقد أسفرت سنوات هذه الحرب، المعروفة باسم "الإرهاب الأحمر"، عن مقتل حوالي 6800 من الكهنة والرهبان والراهبات، ومن بينهم الأب خوان إلياس مدينا الذي قُتل عن عمر يناهز 33 عامًا في 25 أيلول 1936. وقد تمّ بالفعل إعلان طوباويّة ما يقارب 2000 شخصًا من هؤلاء "الشهداء"، فيما تتم دراسة حياة نفس العدد تقريبًا لغاية التطويب أيضًا.
 

وانطلق الكاردينال سيميرارو في عظته من كلمات يسوع إلى التلاميذ "إذا أبغضكم العالم"، فقال إن هذا يجعل الأفق أمام التلاميذ يبدو مقلقًا ومحبطًا، لكنه لم يخلُ من النور حيث قال لهم يسوع "إِنِّي اختَرتُكم مِن بَينِ العالَم"، أي أن يسوع وبينما يخبرنا ببغض العالم يُذكِّرنا بمحبته الرحومة لنا والتي جعلته يختارنا. إلا أن هذه المحبة لا تقتصر على مجرد الاختيار، حسب ما ذكر عميد مجمع دعاوى القديسين، بل هي فعل خلاص. وذكَّر هنا بصرخة بطرس ((يا رب، نَجِّني!)) حين كان خائفا عندما أخذ يغرق فمد يسوع يده لوقته وأمسكه.

 

وتابع منطلقًا من كلمات القديس أغسطينوس أن هناك في بغض العالم نوعًا من الغيرة، غيرة مَن فقد فريسته، ولهذا فهناك ذاك الالتزام المزدوج الذي تحفزه في نفوسنا كلمة الرب، الابتعاد عن العالم الذي فضَّل الظلام على النور والخطأ على الحق والكراهية على المحبة، ثم الانتباه إلى عدم الاستسلام لإغراء الحنين إلى الخطيئة. وذكّر في هذا السياق بكلمات القديس بطرس: "فإِنَّهمُ إِذا ابتَعَدوا عن أَدْناسِ الدُّنْيا لِمَعرفتِهم رَبَّنا ومُخَلِّصَنا يسوعَ المسيح، ثُمَّ عادوا إِلَيها يَتَقلَّبونَ فيها فَغُلِبوا على أَمْرِهم، صارت حالتُهمُ الأَخيرةُ أَسوَأَ مِن حالتِهمِ الأُولى" (2 بطرس 2، 20). تريد كلمات يسوع من جهة أخرى، واصل عميد مجمع دعاوى القديسين، أن تُذكِّرنا بقربه، فحين يقول "لستم من العالم" فإنه يريد طمأنتنا أنه يرانا دائما كأصدقائه، تلاميذه، أخوته. كما ويُذكِّرنا يسوع بأن "الله أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة". وهذا هو الوعي الذي حفز الشهداء الذين يُحتفل اليوم بتطويبهم والذين صرخ الكثير منهم خلال قتلهم: عاش المسيح الملك.

وعاد الكاردينال سيميرارو إلى كلمات يسوع إلى تلاميذه: "لو كُنتُم مِنَ العالَم لأَحَبَّ العالَمُ ما كانَ لَه"، فقال إن هذه دعوة إلى التمييز فيما يمكن تسميته ببغض العالم. ويرى عميد المجمع أننا نخطئ حين نقصد بهذا التعبير أية مصاعب تواجهنا والمشاكل التي لا تنطلق من كوننا بالفعل تلاميذ الرب بل هي تبعات دخولنا منطق العالم. ليست كل المصاعب بغض العالم بل فقط العنف الذي يضربنا لأننا ننتمي إلى الرب، من أجل اسمه. وبفضل هذا اليقين الداخلي يصل المسيحي حتى إلى الفرح للمعاناة حسب ما جاء في أعمال الرسل "أمَّا هَم فانصَرَفوا مِنَ المَجلِسِ فَرِحين بِأَنَّهم وُجِدوا أَهلاً لأَن يُهانوا مِن أَجْلِ الاسْم". وذكَّر عميد المجمع من جهة أخرى بدعوة بولس الرسول إلى عدم التزعزع أمام الاضطهاد "فإِنَّكم تَعلَمونَ أَنَّنا جُعِلْنا لِذلِكَ". بغض العالم إذاً لا ينفصل عن كوننا تلاميذ يسوع، واصل الكاردينال سيميرارو مذكرا بحديث يسوع إلى التلاميذ عن أن العالم "أبغَضَني قَبلَ أَن يُبغِضَكم"، وأيضا بحديث القديس أغسطينوس عن أن الشهيد هو مَن يرغب في الاستشهاد.  

 

وفي حديثه عن الشهداء المطوَّبين قال الكاردينال سيميرارو إننا أمام مجموعة من أشخاص يتميزون بتنوع الجوانب الشخصية وغنى العمق الروحي، وأيضًا بجذور عميقة في بعض الحالات في العلوم اللاهوتية تم التعبير عنها في الحياة اليومية قبل بلوغ الاستشهاد الذي ختم بالدم حياة كاملة. نحن أمام تاريخ يمكن لتذكُّره أن يكون مكان كرازة في أوساط معلمَنة.