موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢ مايو / أيار ٢٠٢٢
الكاردينال لويس روفائيل ساكو يكتب: الهجرة ظاهرة زماننا!

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

 

تُعد الهجرة إحدى ظواهر زماننا. إنها قضية من الضرورة ان تُدرس من كلّ جوانبها لكي يستطيع المهاجرون تجاوز المحن التي دفعتهم الى الهجرة، ويقدر من بقي في بلده الأم أن يعيش في بيئة ملائمة، عيشًا آمنًا وكريمًا وحرًّا. هذه من أولويات بقائهم فيها.

 

 

المسيحيون المهاجرون

 

من هاجر لم يهاجر عن بطر، إنما لأنهم فصلوا لأسباب قاسيّة من أرضهم وأهلهم ومجتمعهم وثقافتهم وحضارتهم، بسبب صراعات وحروب عبثية وفساد، وغياب الديمقراطية والعدالة والمساواة، كما حصل في العراق وسوريا ولبنان ويحصل اليوم في أوكرانيا جرّاء الحرب العبثية بين روسيا وأوكرانيا.

 

وهنا أود التركيز بشكل خاص على هجرة المسيحيين العراقيين. المسيحيون هم أهل الارض قبل مجيء الاسلام، أرض الصفاء، إنهم مرتبطون بها لأنها أمهم وهويتهم. وقد لعبوا دورًا كبيرًا قبل مجيء الإسلام وبعده في بناء حضارة مجتمعهم بثقافتهم وحضارتهم الخصبة، انطلاقًا من "وصية المحبة حتى الاعداء" التي أمرهم بها المسيح والتي غرست فيهم قواعد سلوك وتصرفات متميزة كحبهم للمعرفة (الثقافة) والانفتاح والاخلاص في العمل واحترام الحياة والأشخاص وإيمانهم بثقافة الاخوة والسلام والاحترام والتسامح، وبعيدون عن نزعة الكراهية والانتقام لأنها لا تتوافق مع إيمانهم.

 

البلدان التي لجأوا إليها ورغبوا في العيش فيها، عليها أن تأخذ بعين الاعتبار كل هذه المعانات والصفات التي يفتخرون بها، ويجب تدريبهم لإدماجهم في حياة مجتمعاتهم كمواطنين حقيقيين كما تطالب بذلك شرعة حقوق الإنسان، ولا ينبغي معاملتهم بطريقة سيئة كما يحصل أحيانًا! بل الشعور بإنسانيّة الإنسان الآخر وكرامته!

 

 

المسيحيون الباقون

 

المسيحيون الباقون مهما كان عددهم، يمثلون قوّة لمجتمع متصالح وسالم وركيزة العيش بوئام.

 

فلا بدّ للحكومة والكنيسة القيام بتحليل دقيق لظاهرة الهجرة ومعالجتها بجديّة، بعيدًا عن النهج الحالي، من خلال تعديل الدستور وسنّ تشريعات جديدة تساوي بين المواطنين، وتوفر بيئة ملائمة للعيش الكريم. هذا حق كل مواطن في الاستمرار في العيش في بلده الأم.

 

هناك تفكير وقلق يشعر به المسيحيون الباقون والراغبون في الاستمرار التاريخي في العيش في بلدهم والتواصل مع مجتمعهم والمشاركة في بناء بلدهم وتقدمه وازدهاره. المسيحيون العراقيون يواجهون مضايقات متنوعة وتجاوزات على ممتلكاتهم ووظائفهم ومعاملاتهم وإهمال تراثهم وتاريخهم، والتغيير الديموغرافي لقراهم والإساءة أحيانًا إلى دينهم. إنهم يكادون يفقدون الثقة بالمستقبل.

 

مطالبهم هي:

 

1. قيام دولة ديمقراطية مدنية تساوي بين كافة المواطنين على قاعدة الحقوق والثقافات بغض النظر الى الانتماء الديني او العرقي او الجندر.  ولا تقوم ديمقراطية حقيقية من دون دولة قوية. لا يجوز خلط الدين بالسياسة وتشويه الاثنين! فالدين لا يجلب معه نظامًا وشكلاً سياسيًا لذا الحكم الالهي كما فعلت المسيحية في القرون الوسطى شوهها والإسلام السياسي شوه الإسلام المتسامح! كما أن ثقافة المكونات والمحاصصة لا تساعد قيام دولة حديثة، دولة وطنية تحتضن جميع ابنائها.

 

2. من هذا المنطلق أركز على أهميّة الالتزام التربوي والتثقيفي الذي ينطلق من القيم الإنسانية الأساسية وثوابت الأخلاق ورسالة الديانات في الاخوة والمحبة والتسامح، ولائحة حقوق الإنسان التي تسعى لتطبيقها بلدان العالم المتحضر. يجب أن تُدفع كل الاستراتيجيات للبحث عن الخير والمحبة والعدالة والكرامة والحرية من خلال هدف مشترك وتعليم مشترك يبني أساسًا سليمًا وصلدًا للعيش المشترك من خلال المواطنة والمساواة والعدالة التي تشكل حياة طبيعية آمنة تضمن كرامة الجميع  وحريتهم ووطنيتهم.

 

3. بخصوص الكوتا، من الافضل ان تكون كوتا اجتماعية وليس طائفية ولا مكوناتية، لأن كل النواب ينبغي ان يمثلوا كل العراق والعراقيين ويدافعوا عنهم!.