موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٨ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
البطريرك ميناسيان يترأس قداسًا في الذكرى الـ107 للإبادة الأرمنية

وكالات :

 

ترأس البطريرك رافائيل بدروس الحادي والعشرون ميناسيان، كاثوليكوس كيليكيا للأرمن الكاثوليك، قداس ذكرى الإبادة الأرمنية، وذلك في مدرسة سان غريغوار بمنطقة الأشرفية، في بيروت، حيث عاونه المطران جورج خزوم والمطران جورج اسادوريان المعاون البطريركي ومطران بيروت ولفيف من الكهنة والشمامسة، بحضور بطريرك السريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان، والسفير البابوي في لبنان المطران جوزيف سبيتيري، وفعاليات كنيسة وعامة، وحشد غفير من المؤمنين.

 

بعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك رافائيل عظة جاء فيها: بينما كان الربيع يتبهوَر ويتباها بأزهاره الفائحة، والأرض تفتخر بربوعها الخضراء، كان هناك من يسقي التراب بدماء أولادنا وأهلنا الأبرياء، كان هناك من خطّط ونفّذ الجريمة العظماء لإنهاء الأمّة الأرمنيّة، بقطع الأعناق وقتل الأبرياء، كهولاً وشباباً، نساءً وأطفال. كان هناك طاغيٌ يسلب الأملاك والأرواح، كان هناك مجرمٌ يلبط بشعب مجتهد وفعاّل، بشعب يعمل بجهد وكد، ليعيش وينعم بالسلام. إخوتي الأحباء بأيّ لغةٍ تريدون أن تسمعوا قصتي وأنا إبن يتيم ويتيمةٍ شتتهم القدر في صحراء سوريا.  أنا إبن مشرّدٍ ومشردة حرمته المذبحة الأرمنية من حنين أم وأب وهما في الرابعة من عمرهما، مشردان في ربيع عمرهما ضحية قدرٍ مُبهم ومستقبل بلا حياة.  كيف وبأيّ روحٍ تريدونني أن أتكلم وأنا بحسرة جدّ وجدّة لم أرى ولم أعش من حنينهم لحظة.

 

تابع: حدث هذا في مثل هذا اليوم، وكان يوم الفصح المجيد، في يوم قيامة يسوع، عندما أراد المجرم الهمجي بإنهاء مخططه بإبادة الأمّة الأرمنية. فكّر بقتلهم وتشريدهم ينتهي كلّ شيء فأبادهم زمنياً. لكنه خسرهم بالحياة الأبدية. إنّ المجرم فكّر أنه بقطع الرقاب قد ربح الرهان، لكنّه خسره، وأكبر برهان على ذلك هو وجودنا اليوم مترسخين في إيماننا المسيحي وناشطين في العطاء والمحبة والمسامحة لمن جلدنا واغتصبنا وأطعم لحوم الآباء غذاءً لأولادهم. يا للِهول وللعار. هذه الجريمة، تذكرني بقصة قايين وهابيل. عندما خاطبه الرب قائلاً "قايين قايين إنّ دم أخاك يصرخ في البرّية" طالباً الحق، اليوم أيضاً دم شهدائنا يصرخ من صحراء سوريا ويطالب بحقه في الحياة وحقه في أراضيه المغتصبة. فالرجوع إلى الضمير العادل الذي أعطي من خالقك الله تعالى هو الجواب لما نعيشه اليوم من كفر وفساد وظلم وافتراء. إنّ هذه الجريمة العظمى التي لا تُغتفر، هذه الجريمة النكراء التي ارتُكبت ضدّ الإنسانية فقد شبكت معها ليس الأرمن فقط بل السريان والأشوريين والروم وسبقهما المجاعة في لبنان في هذه الأرض المقدسة، لقد تسجلت هذه الجرائم على صفحات التاريخ مع مواصفاتها المروعة. إنّ هذه الصفحة التاريخية لا تزال تشهد وستشهد على الجريمة رغم مرور الدهور. إنّ عدالة التاريخ لا ترحم ولا تنسى.

 

أضاف: إخوتي وأخواتي الأحباء، يا أصحاب الغبطة والسيادة الموقرة، إنّنا نجتمع اليوم في هذه الساحة التي شهدت منذ زمن بعيد وحتى اليوم ذكرى شهداء المجزرة. على هذه الساحة ترأسوا الصلوات أصحاب الغبطة والمطارين اكليروس وشعب، طالبين من أصحاب السلطات السياسية والاجتماعية ومن المسؤولين في حقوق الإنسان أن ينصتوا إلى تضرعاتنا ويأتوا باسترجاع حقوقنا، ولكنهم استهزئوا بنا، وثابروا بجرائمهم المتكررة حتى يومنا هذا. لقد صوروا في ذلك الحين مشاهد الجريمة المروعة وكتبوا عنها للسلطات العظمى ولكنّهم توارو عنها وداروا ظهرهم وأغمضوا عيونهم. لقد اغتصبوا، ذبحوا وطعنوا الحبالى وجنينهم في أحشائهم، لم يرحموا أحداً كان كهلاً عجوزاً أشيب أم شاباً في مقتبل عمره. كما يذكر في الكتاب المقدّس: كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، كَخَرُوفِ دَاجِنٍ يُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، فقد أخذوهم مثل الخراف وذبحوهم.

 

وختم البطريرك ميناسيان عظته بالقول: فماذا نريد اليوم بعد مرور 107 سنوات للذكرى الشنعاء؟ أقول هذا ولكنّها ليست إلا بإكليل غار نالتها بهادتها على إيمانها وانتمائها الديني. ما نريده اليوم انذار العالم، وأصحاب القوى العُظمى بقولنا إن القتل والإرهاب، ملك الشيطان، أما الإنسان المفدى بدم المسيح القائم من بين الأموات، هو صاحب الحياة والكرامة، فهو ابن النور، ابن السلام، سلام المسيح. ما نريده اليوم في هذه الصلاة والدعاء أن نكمل المسيرة على خطى أجدادنا بالشهادة والعطاء والحفاظ على قيمنا الروحية والأخلاقية والاجتماعية. ما نريده اليوم بمسيرتنا هذه، جلب أنظار أصحاب القرار في العالم ليقوموا بما أهملوه في الأمس. هذا ما نريده اليوم أن نشهد للعالم أجمع بما نحن عليه من إيمان بالله القادر على كل شيء والذي خذل المجرم وخططه وأعطانا الحياة.