موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢ مارس / آذار ٢٠٢٢
الأب رومانيلي: الحفاظ على الحضور القرباني والصلاة من صلب رسالتي في غزة
الأب جبرائيل رومانيلي، راعي كنيسة العائلة المقدسة للاتين في غزة

الأب جبرائيل رومانيلي، راعي كنيسة العائلة المقدسة للاتين في غزة

وكالة فيدس :

 

إنّ الحياة في غزة ليست سهلة لأحد. جعل الصراع مع إسرائيل من القطاع أكبر سجن مفتوح في العالم منذ 70 عامًا، وتشهد المنطقة إضطرابات بشكل دوري بسبب اندلاع الحرب التي عصفت بالسكان المدنيين، وزرع بذور الكراهية في مستقبل الأجيال الشابة.

 

في مثل هذا المكان، بالنسبة لأولئك الذين حصلوا على عطيّة الإيمان بالمسيح، فإن الشيء الأكثر أهمية هو "حماية الحضور الجسدي للمسيح نفسه في القربان المقدس"، والصلاة لكي يحرس هو نفسه الحياة اليومية لأصدقاء يسوع الفقراء لخير ومصلحة الجميع.

 

في هذا يثق الأب جبرائيل رومانيلي، راعي كنيسة العائلة المقدسة للاتين في غزة، ويعزيه المعجزات الصغيرة والكبيرة للإيمان والرجاء والمحبة التي يراها تحدث بين أفراد رعيته ورفاقهم في المصير. ويكشف أنّه "من بين المفاجآت التي حدثت في الآونة الأخيرة، هناك أيضًا وجه عبدالله جلدة، الفلسطيني البالغ من العمر 24 عامًا، الذي بدأ مسيرته ليصبح كاهنًا، متابعًا ما استطاع بإذن الله أن يصبح أول كاهن أو راهب في قطاع غزة لمدة خمسين عامًا على الأقل".
 

الأب رومانيلي والأخ عبدالله جلدة (وسط)

الطريق إلى الأرض المقدسة

 

لم يكن الأب جبرائيل يتخيّل نفسه منذ طفولته وهو يعلن الإنجيل للعالم. وتساءل: لماذا في بوينس آيرس، حيث تم تعمّد الجميع تقريبًا، لم يعش المسيحيون سعداء؟ ويتذكّر مازحًا: "كنت قد قرأت أيضًا كتيبًا عن القديس يوحنا بوسكو وقد أدهشتني العبارة القائلة بأن كل من يساعد في إنقاذ روح أخرى، يحفظ نفسه أيضًا. بدا الأمر على الفور وكأنه صفقة جيدة!". بعد التغلب على حيرة والديه، دخل معهد الكلمة المتجسد في سن 18 عامًا. وكإكليريكي، كان يحلم أن تقوده رسالته إلى الصين أو إلى روسيا.

 

بدلاً من ذلك، طلب منه رؤساؤه الذهاب إلى الشرق الأوسط. يقول الأب رومانيلي "كنت سعيدًا ومندهشًا. إنّ الشرق الأوسط هو أرض الرب، اعتقدت أنها وجهة يتمّ إقتراحها على الكهنة ذوي الخبرة، وكنت لا أزال مدرسًا في الإكليريكية". وبعد رسامته الكهنوتية وسنتين قضاهما في مصر في تعلم اللغة العربية، كانت وجهته الأولى هي الأردن. ثم طلب منه البطريرك ميشال صبّاح أن يذهب إلى إكليريكية البطريركية في بيت جالا، حيث قام بتدريس المواد الفلسفية باللغتين العربية والفرنسية لمدة 14 عامًا.

الأب رومانيلي أمام حفرة خلفها القصف الإسرائيلي بالقرب من مدرسة راهبات الوردية في غزة، أيار 2021

في غزة

 

وصل إلى غزة، بصفته راعي كنيسة العائلة المقدسة الجديد، في عام 2019. ويكرر الأب جبرائيل "بالنسبة لي، إنها رسالة جميلة حقًا. في كل مرة أشعر بالدهشة عندما أعتقد أنه وفقًا لتقليد ثابت، مرّ الطفل يسوع عبر غزة، ذاهبًا وعائدًا من مصر، عندما اضطرت العائلة المقدسة، التي سميت رعيتنا لها، إلى الفرار للحفاظ عليه من شرور هيرودس.

 

واليوم، يدفع السياق التاريخي لغزة بكل جراحه العمل الرسولي إلى اتخاذ سمات جوهرية. ليست هناك حاجة لخطط رعوية مليئة بالأفكار الفعالة أو لإسناد التبشير إلى "استراتيجيات إعلامية" جديدة. يجب فقط الانتباه للأشياء التي تضعها الحياة الواقعية أمامك واتّباعها.

 

إنّ الأولويات التي يتبعها الأب رومانيلي -بدءًا من حراسة الحضور الجسدي للمسيح في الإفخارستيا- تهيئ أيضًا وتقترح الأشياء التي يجب القيام بها، وهي أكثر المبادرات المعتادة والبسيطة للروحانية الكاثوليكية: الصلاة والاحتفال بالقداس والأسرار، الوردية، التعليم المسيحي. من الأفضل تكرار هذه الممارسات بدلاً من تضييع الوقت في الحديث بقلق شديد عن أعداد المسيحيين في غزة.

 

وبهذه الروح، ولدت مجموعة الكشافة أو ازدهرت في السنوات الأخيرة، مدرسة خدّام المذبح التي سميت على اسم الطوباوي الشاب كارلو أكوتيس، ومواد الدراسة العقائدية والتي تركزت هذه السنة على الأسرار المقدسة، بعد الكتاب المقدس والعذراء مريم، والسجود القرباني، "الذي قدمناه أيضًا للأطفال الصغار هذا العام. ربما لا يستغرق الأمر سوى بضع دقائق بالنسبة لهم، ولكن بهذه الطريقة يمكنهم أيضًا أن يبدأوا أمام أعينهم وقلوبهم أن يسوع، مخلصنا موجود في ذلك القربان المكرس" يقول الأب رومانيلي.

الأب رومانيلي يقدّم لوزارة الصحة في القطاع مجموعة اختبارات للكشف عن كورونا تبرع بها البابا فرنسيس، حزيران 2020

أعمال خيريّة للجميع

 

إنّ العمل الرسولي في رعية غزة ليس مهووسًا بالالتزامات والنشاطات. وربما لهذا السبب بالذات، فإن الإزدهار الحقيقي للأعمال الخيرية التي تنمو تلقائيًا حول الكنيسة أمر مثير للإعجاب، حتى من ناحية الكمية. إن الأوبئة والطوارئ التي يعاني منها سكان غزة كثيرة. إنها مجرد مسألة وعي أهميّة المكان الذي تعيش فيه. وكما يؤكد الأب جبرائيل "إنّ الكنيسة هي بمثابة واحة، مكان انتعاش للمجتمع المسيحي، ولجميع الآخرين".

 

وفي قطاع غزة، حيث يعيش ما لا يقل عن مليون و800 ألف فلسطيني، يبلغ عدد المسيحيين حاليًا 1077، بينهم 133 كاثوليكيًا. وتستقبل مدارس البطريركية اللاتينية وراهبات الوردية 2300 تلميذًا معظمهم من المسلمين. فيما تعتني راهبات الأم تيريزا بـ75 معوقًا، من بينهم 50 طفلاً. ثم هناك أولئك الذين يعتنون بـ66 من أطفال يعانون من مرض وراثي تنكسي. لقد أثرت الجائحة على حوالي 60 ألف شخص في قطاع غزة، من بينهم، تم علاج حوالي 40 ألف شخص من قبل الفرق الطبيّة وعيادات الإسعاف التي تنظمها كاريتاس.

 

حتى قادة حماس، الحزب الإسلامي الذي يسيطر على قطاع غزة سياسيًّا، يأخذ في عين الاعتبار الأشياء التي تقوم بها الأعمال الخيرية المرتبطة برعية العائلة المقدسة لصالح الناس. قبل عيد الميلاد الماضي، عندما أراد بعض الدعاة تحذير المؤمنين في المساجد من إرسال التحيات ورسائل التمنيات الطيبة إلى إخوتهم المسيحيين والأصدقاء، اتخذت الحكومة الفلسطينية في رام الله أيضًا موقفًا صارمًا ضد مثل هذا الترهيب. ذهب بعض ممثلي حماس إلى الرعيّة، وكدليل واضح على صداقتهم مع الرعيّة، نُشرت صورتهم مع الأب جبرائيل في وسائل الإعلام المحلية، وجميعهم قرب شجرة عيد الميلاد.

 

كما ازدهرت دعوة عبد الله ناصر جلدة وهو يبلغ 24 عامًا في هذه الحياة. إنّ عبد الله هو الابن الأكبر لعائلة مسيحية لديها أربعة أطفال (ولدان وبنتان)، وقد شعر بدعوته أثناء مشاركته في أنشطة الرعية. بدأ عبدالله الآن مؤخرًا بدراسة اللاهوت في معهد الكلمة المتجسد في إيطاليا، بعد أن كان مبتدئًا في غزة. تؤكد عمليات البحث في السجلات أنه لم تكن هناك دعوات كهنوتية أو رهبانية في غزة خلال الخمسين عامًا الماضية. ولإيجاد كاهن آخر، أو راهب، أو راهبة ولدت وترعرعت في غزة ، يجب على المرء أن يعود أبعد من ذلك. لكنّ الأب جبرائيل لا يتباهى بذلك بل يقول "الدعوات ليست من عندنا بل إنّها من عند الله".