موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ١٨ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩
أطفال يتمردون على القرارات.. وآباء يتعنتون!

منى ابو حمور :

الإحباط والاحساس بفشلها بالتربية وفقدان السيطرة، هو ما تشعر به ليلى عبد الرحيم الأم لـ 4 أطفال بعد أن وصلت إلى طريق مسدود في التعامل مع طفليها اللذين لا يستجيبان لملاحظاتها، معلنان حالة التمرد في البيت.

تروي الأربعينية ليلى معاناتها اليومية مع طفلها (11)عاما وطفلتها (9 اعوام)، بعدم استجابتهما السريعة للملاحظات وتجاهل رأيها في كثير من الأمور وبما يتعلق بلباسهما، دراستهما ومسؤولياتهما في البيت، وأي قرار تتخذه.

تقول “لم أعد قادرة على إيجاد لغة حوار بيني وبينهم، وفي كل مرة ألجأ للعقاب ولكن دون فائدة”، متابعة أن التعامل مع أطفالها في هذه العمر صعب جدا، خصوصا وأن زوجها يغيب لساعات طويلة عن المنزل.

بيد أن استخدام العقاب واتباع أسلوب الحرمان لم يجد نفعا مع أطفال خالد الذي فقد السيطرة على أولاده ولا يجد طريقة سليمة للحوار معهم سوى العقاب، الصراخ والحرمان.

يشكو الأربعيني خالد وهو والد لثلاثة أطفال (13)، (14) و(11 عاما) من عدم قدرته على التفاهم مع أبنائه وإيجاد لغة مشتركة مناسبة يلتقي بها معهم، سيما وأنهم يشكون من عصبيته وتشبثه برأيه في كثير من الأمور التي تتعلق بهم.

يقول “لا نتفق ابدا طوال اليوم، وفي كل أمر نختلف والعقاب يؤزم العلاقة بيننا”، لافتا إلى أن عناد أطفاله يخرجه عن صمته في كثير من الأحيان ويفقد السيطرة على أعصابه.

من جهة أخرى أثار قرار عبدالله (13عاما) بتغيير شعبته الصفية دون الرجوع إلى والديه واستشارتهما، غضب والدته التي تفاجأت بنقله بعد أسبوع.

كانت صدمة والدة عبدالله كبيرة جدا عندما علمت من مربية صفه أنه نقل إلى شعبة أخرى بناء على رغبته بأن يكون مع أصدقائه، إلا أن رد ابنها عليها كان أكبر من فعله حسب وصفها، قائلا “أنا بعرف مصلحتي”.

لم تعد تعلم والدة عبدالله كيفية التصرف مع ابنها الذي يعتقد نفسه قادرا على اتخاذ قرارات لوحده دون الرجوع لها أو حتى لوالده مكتفيا برغبته ووجهة نظره، مسيطرا عليها شعور بفقدان السيطرة والحيرة في التعامل معه.

بدوره يشير التربوي الدكتور عايش نوايسة إلى عدة عوامل أساسية تلعب دورا أساسيا في تغير سلوكيات الأبناء وتمردهم على الآباء، وفي الأغلب تلعب طريقة التربية والتعامل مع الأبناء دورا كبيرا في حدوث التمرد.

ويلفت نوايسة إلى أن انشغال الوالدين عن تربية الأبناء نتيجة ظروف الحياة والاقتصادية والتواصل مع أطراف غير أسرية من مثل عاملات المنزل وما شابه يؤدي إلى الجمود العاطفي والذي يولد حالات من العناد لدى الأبناء.

ويرى نوايسة أن الطريقة “السلطوية” التي يمارسها الآباء مع الأبناء في الأغلب تؤدي إلى آثار سلبية خاصة في فترة النمو النفسي والانفعالي في مرحلة المراهقة، فتولد لدى الابن توجهات سلبية تجاه الأب تؤدي لاحقا للوصول إلى مرحلة العناد والتمرد.

ويقول أن واحدة من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تمرد الأبناء، هو محاولة فرض الآباء طريقة حياتهم وقناعتهم على الأبناء، ونمط تفكيرهم، وطريقة حياتهم الخاصة التي ليس لها مبرر مشروع، بل لمجرد الاعتياد الاجتماعي، فتكون الصدمة بما يحمله الأبناء من تطلعات واهتمامات، وما يفرضه العصر من أوضاع، وطريقة خاصة للحياة.

توفير بيئة تسمح بنمو انفعالي ونفسي واجتماعي إيجابي، هو الحل لهذه المشكلة وفق النوايسة، وذلك من خلال علاقة ودية تقوم على الاحترام والمودة الأسرية بين جميع أفراد الأسرة، ولا بد من الابتعاد عن السلطوية في العلاقة بين الآباء والأبناء، وتوفير جو يسمح بالتفاعل بينهم والتقرب من الأبناء ومعرفة حاجاتهم واهتماماتهم.

وفي المضمار النفسي يربط أخصائي علم النفس التربوي موسى مطارنة حالة التمرد والعناد بالمراهقة، بمرحلة التخلص من الحالة الطفولية، إذ يبدأ الاستكشاف والهدوء بمرحلة تسمى في علم النفس “ولادة جديدة” أو فطام اجتماعي، حيث ينفصل الطفل بقراراته بكل شيء يصدر عن والديه أو أي قرار يقولونه.

وتبدأ الخصائص النمائية والنفسية للأبناء بحسب مطارنة، بحالة من إثبات الذات ويبدأ يخالف ويتصرف بطريقة جديدة من خلال إثبات بأنه قادر على عمل كل شيء لوحده دون الرجوع لوالديه وأنه ناضج كفاية ليأخذ قراراته ويهتم بذاته وأنه لم يعد طفلا.

يحتاج الأبناء وفق مطارنة الى طريقة مختلفة في التعامل، فالضرب والتوبيخ والصراخ لايفيد في هذه المرحلة وغالبا ما تكون نتائجه عكسية على الأسرة. وينبغي التقرب من الأبناء في هذه المرحلة وتقبل شخصياتهم، لافتا إلى أنه من الممكن أن يستجيب الأبناء تحت التهديد، لكن ذلك يسبب نوعا من عدم التوازن النفسي بسبب شعورهم بالنقمة على الأهل وعدم الراحة لإجبارهم على فعل وقول ما لا يرغبون.

ويقول مطارنة؛ على الأهل أن يسمعوا أبناءهم ويتقبلون رأيهم وفتح قنوات الحوار والنقاش، بعيدا عن الاجبار، كذلك تقبل آرائهم ومبادئهم واستشارتهم في بعض الجوانب.

ويضيف ليس بالضرورة أن يتقبل الطفل رأي أهله، ولكن إذا كان ما يريده فيه أذى له فلابد من التقرب منه والتواصل مع رفاقه والتعرف عليهم ومحاولة السيطرة على سلوكياتهم وخصائصهم النمائية.

(الغد الأردنية)