موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣٠ يونيو / حزيران ٢٠٢٢

حب قاتل.. لا يقتل الحبيبة

كاتب أردني مقيم في بلجيكا

كاتب أردني مقيم في بلجيكا

مالك العثامنة :

 

على خلفية ما تتوارده الأخبار عن جرائم قتل باسم العشق، والحب براء من كل ذلك، تذكرت ما كنا نقرأه في زماننا قبل ثورة الإنترنت. مثلاً، كانت دوما قصة روميو وجولييت لشكسبير نموذجاً للحب المأساوي بالغ الحزن في نهاياته.

 

لكن بالنسبة لي فإن رواية (الشاعر- سيرانو دي بيرجراك) والتي قرأتها في بواكير مراهقتي كانت دوماً حاضرة في خيالي كنموذج للحب الصامت الذي لا ينطق بحقيقته ويضحي من أجل سعادة المحبوبة.

 

قراءتي الأولى لها كانت في النسخة العربية التي عمل على ترجمتها العلامة اللغوي المصري الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي، وبقدرته السحرية استطاع أن يكتب رواية بلغته الخاصة الرفيعة والبليغة، كانت إعادة كتابة للرواية التي أصلها مسرحية أكثر منها ترجمة عادية. القصة بالمناسبة مبنية على شخصية حقيقية بذات الاسم، وهي شخصية أديب وقاص وشاعر فرنسي وبعد وفاته بقرنين وفي نهاية القرن التاسع عشر قام أديب فرنسي عظيم اسمه إدمون روستان بكتابة قصة الشاعر: سيرانو دي بيرجراك، مع معالجة قصصية مذهلة حولتها إلى مسرحية عشق مجنون ومأساوي عظيمة.

 

التقط مصطفى لطفي المنفلوطي القصة – المسرحية لإدمون روستان، وعكف عليها بإعادة كتابة فكانت رواية «الشاعر» باللغة العربية أحد تحف الأدب العربي الخرافية. القصة باختصار أن سيرانو، كان فارساً وشاعراً مفوهاً وبليغاً وفوق هذا كله كان عاشقاً لابنة عمه روكسان.

 

مشكلة سيرانو الوحيدة أنه كان دميم الشكل – كما يعتقد- وله أنف كبير الحجم بشكل لافت، وهذا كان يمنعه من البوح بعشقه لروكسان الجميلة والمحبة أيضاً للأدب والشعر والبلاغة. باختصار، روكسان التي لا تعلم عن عشق «سيرانو» لها، أخبرته بعشقها لشاب جميل الشكل اسمه «كريستيان» وكان ضابطاً في نفس وحدة سيرانو.

 

ومشكلته الأساسية أنه كان بليداً غبياً، وهو ما اعترف به لسيرانو الذي كابر على جرحه ليسعد محبوبته روكسان، فتطوع ليكتب عن كريستيان الرسائل والأشعار البليغة، بل كان يختبيء خلف شجرة تحت شرفة روكسان ليهمس في اذن كريستيان كلمات الحب والغرام ببلاغة شديدة. القصة فيها تفاصيل غاية في الجمال والتشويق لكن أهم ما فيها ذلك السر الذي لا يعرفه إلا سيرانو والقارئ بحب غير معلن وسري ومكبوت جعل العاشق يبحث عن سعادة حبيبته فقط لا غير.

 

يموت كريستيان في الحرب، رغم دفاع سيرانو المستميت عنه، وتبقى قصة حبه لروكسان سرا يأكل من روحه حتى موته وحينها بتفاصيل جميلة تعرف روكسان عن عاشقها السري لكن بعد فوات الأوان.

 

لكل قارئ طريقته في أخذ العبر والدروس، ولأني قرأتها في مرحلة مبكرة (سمعت أنها كانت في مناهج التدريس المصرية في بدايات القرن العشرين) فقد تأثرت بها وأتذكرها كعنوان لمعنى العشق الحقيقي الذي يمثله سيرانو الشاعر.

 

فهمي للرومانسية بهذا المعنى النبيل، يجعلني لا أستوعب فكرة أن يقتل رجل – أي رجل- محبوبته والعكس صحيح، ولا يعني ذلك إلا عدم سوية وإجراماً ممزوجاً بخلل نفسي وتربوي كبير. أعتقد..أنه من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها في عالمنا المنكوب بالدجل والخرافة والمقدسات التي يقررها مروجو الجهل أن تتم إعادة النظر في المناهج المدرسية كلها.

 

(الاتحاد الإماراتية)