موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٨ أغسطس / آب ٢٠٢٢

المناخ قضية حياتية لا سياسية

إميل أمين

إميل أمين

إميل أمين :

 

هل تواجه البشرية بالفعل انتحارا جماعيًّا بات واضحا في معالم الحر الشديد والحرائق القاتلة، التي انتشرت الأيام الفائتة؟

 

غالب الظن أن ذلك كذلك، وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، والذي قطع بأن "الإنسانية تواجه خطر الانتحار الجماعي بسبب أزمة المناخ".

 

لم يعد الأمر في حاجة إلى دليل أو إثبات على الوضع المرير، الذي تعانيه الكرة الأرضية، فحرائق الغابات في أوروبا، وعما قليل في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وكذا في بعض دول شمال أفريقيا، تسببت في فوضى عارمة عبر قطاعات واسعة من العالم، ما يعني أن الانتحار الجماعي قادمٌ لا محالة.

 

هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن تنطلق تلك الحرائق على هامش أعمال حوارات بطرسبرج في ألمانيا، والتي جرت أوائل الأسبوع الماضي؟

 

مهما يكن من أمر الجواب، فإن الحقيقة المؤكدة تتمثل في أن نصف البشرية الآن يقع في منطقة الخطر من الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة وحرائق الغابات، والمثير لحد الدهشة أنه لا توجد محصنة من انتقام الطبيعة المضاد، وفي الوقت عينه لا يبدو أن هناك خطواتٍ جادة وجدية لاستنقاذ البشرية من وهدة الجحيم الإيكولوجي -إنْ جاز التعبير.

 

يعنُّ لنا ونحن بين يدي هذا المشهد أن نتساءل: "هل المناخ قضية سياسية أم قضية حياتية لا تلعب فيها السياسة، أو لا يتوجب أن تلعب إلا في حدود هامش معين بهدف التنسيق الدولي لمواجهة الخطر القائم والقادم؟

 

آخر استطلاع للرأي حول قضية المناخ جرى في الداخل الأمريكي، وقد أجرته صحيفة "النيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيانا"، وجد أن نسبة 1% فقط تعتبر المناخ القضية الأهم في البلاد، والخطير أن هذه النتيجة تنسحب على الأعمار كافة، وحتى تحت 30 عامًا.. ما مَرَدُّ الأمر؟

 

من الواضح جدا أن ارتفاع أسعار المحروقات في الأشهر القليلة الفائتة حوّل الانتباه عن الهول الأعظم الذي ينتظر الساحلَيْن الشرقي والغربي في الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص، فقد أفادت مراكز دراسة الطقس والأعاصير في البلاد، بأن هذا الصيف سيكون كارثيا من جراء التغيرات المناخية الحادثة في مياه المحيطَيْن الأطلسي والهادي، بسبب ارتفاع درجة حرارة المياه.

 

عطفًا على ذلك، تأتي إشكالية ذوبان ثلوج القطب الشمالي بنوع خاص لتزيد من كارثية المشهد، ما يتسبب في تفاقم ظاهرة النحْر، أي اقتطاع الأراضي لصالح البحر.

 

هل الأمريكيون غافلون عما يحدث للكوكب الأزرق؟

 

يمكن القطع بأن ما لدى أمريكا من مراكز دراسات متقدمة، وباحثين مَهَرة، يجعلها على بيّنة تامة من التبعات التي تقود لهذا الانتحار الجماعي، والعهدة على "غوتيريش" نفسه، لكن الصراعات السياسية، التي تخوضها الأمّة، والتي لا غنى عنها، كما يدّعي قطاع عريض من اليمين الأمريكي، تجعلها غافلة عمّا يحدث، فيما تصب اهتمامها كله على الصراع الروسي-الأوكراني تارة، وعلى الملف النووي الإيراني تارة أخرى، ولا يعني هذا أنهما ملفان غير مهمَّين وآنيين، بل إن ترتيب الأولويات في سلم الاهتمامات الأمريكية يبدو غير منضبط.

 

في لقاء بطرسبرج الأخير، أشارت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، إلى أمر مهم وحيوي، إذ اعتبرت أن هناك خطر انقسام بمسحة سياسية في طريقة تعاطي دول العالم مع أزمة المناخ.

 

الوزيرة، التي تنتمي لحزب الخُضر، أوضحت بكل ما أوتيت من قوة أن القضية كبيرة ومهيمنة على جميع الأزمات الأخرى، وتأثيرها أشبه بعامل يؤجج الحريق، مضيفة أنه في الآونة الأخيرة جرى فِقدان مزيد من الأمن والثقة اللازمة، أولا بسبب جائحة "كوفيد-19"، ثم بسبب الحرب الروسية، التي تهز أسس النظام الدولي وتؤجج أزمة الطاقة والجوع العالمية -بحسب تعبيرها.

 

في هذا الإطار، ليس سرًّا القول إنه لا توجد نية حقيقية لدى الدول الكبرى للقفز فوق الخطر البيئي الجاثم على صدر البشرية، وهناك من الأدلة الكثير، إذ يكفي أن يراجع المرء أوراق مؤتمر غلاسكو للمناخ العام الماضي، فمن سوء الطالع مع غالبية دول أوروبا، لا سيما الصناعية الكبرى فيها، وبنوع خاص ألمانيا وفرنسا، بان جليًّا أنها ستتخلّى عن فكرة "الجنة الخضراء" و"الطاقة النظيفة"، بعد أن بات الفحم هو الخِيار الوحيد أمامها لمواجهة الشتاء القادم، إذ بدأت إرهاصات قطع روسيا الغاز دفعة واحدة عن أوروبا حال استمرار الأخيرة في دعم أوكرانيا في حربها مع الروس.

 

جاء لقاء بطرسبرج في ألمانيا كخطوة تحضيرية لمؤتمر شرم الشيخ، الذي يمثل Cop27، وفي اعتقاد كثيرين أنه قد يكون الفرصة الأخيرة للخليقة إن أرادت بالفعل النجاة من أخطار مشابهة تعرض لها الكوكب قبل بضعة ملايين من السنين، وهناك في حضارات الأمم السابقة لنا أمثلة كثيرة، لا سيما حضارات "المايا" و"السلت" وقصصهما عن المناخ وفناء البشرية.

 

في 13 يوليو/تموز الجاري، وجّه البابا فرنسيس، الرجل المهموم والمحموم بأزمة المناخ العالمي، رسالة إلى المشاركين في مؤتمر نظمته الأكاديمية الحَبْرية للعلوم، قال فيها: "على كل منا أن يتساءل: أي عالم نريد لأنفسنا ولمن سيأتي بعدنا؟".

 

في جواب البابا، نجد حديثًا عما يسميه "الارتداد الإيكولوجي"، ذاك الذي "يستدعي تغيير العقلية والالتزام بالعمل من أجل مقاومة الأشخاص والأنظمة البيئية التي يعيشون فيها".

 

الخلاصة: المناخ قضية حياتية وليس قضية سياسية.

 

(العين الإخبارية)