موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٩ مايو / أيار ٢٠٢٢

أبناء الهواتف النقالة

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

كنا أولاداً طيبين ليني الرؤوس، نقبل على الحياة بجنون، وعصافير أروحنا مربوطة بخيوط اللعب. نقطع نهاراتنا بالمرح والركض. في الصيف نهب للبساتين نبني في الوادي بركة نتبلبط فيها كسمك مفزوع، ونؤوب إلى البيوت مع مبيت الدجاج قبيل الشفق، وكنا نمد فراشنا للحاف السماء نعابث النجوم، وندغدغها من إبطها، رغم تخويف الجدات أن هذا يورث أيادينا ثألولة بكل نجمة نعدها.

 

كنا منزوعي الدسم. لكننا أقوياء صبورون، بشهادة الآباء والأجداد، الذين كانوا يحرثون علينا بالطلبات والأوامر النزقة، كنقل الحجارة لبناء السناسل (الأسوار الحجرية)، أو تمهيد الأرض، أو استرجاع حمار حرون قطع حبله وطار حتى وصل تخوم الصين.

 

كنّا مشدودين كالنوابض نمتطي العصي الطويلة (الشواريط)، التي ترفع بها أمهاتنا حبال الغسيل، نتخذها أحصنةً لنقاتل أشرار الأرض بسيوف القصب، وأناشيد اللهب. وكنا لا نأكل إلا على جوع، فعندما تشقشق عصافير البطن نهرع نشقُّ خبزةً، كراحة اليد ونُخضِّبها بالزيت، ونرشُّها بالسكر، فتصنع فينا قنبلة نووية.

 

واليوم كلما رأيت طفلاً مفرط السمنة ألوم أهله، وأستنكر ثقافتنا المخدرة، وكلما رأيت شطائر أكبر من رؤوسهم يتصارعون معها في مطاعم للوجبات السريعة. أقول ماذا فعلنا بأولادنا؟!، كيف سمحنا لهم أن يكنزوا بكل هذا الشحوم وبذور الأمراض؟!.

 

كيف تركناهم نهباً لقلة اللعب والتسمر أمام الشاشات التلفاز وأسرى لهواتفهم النقالة، وكيف تركناهم أسرى ألعاب العنف والقتال؟!. كيف تركناهم ينتفخون بالوهم والشحم لتستعصي عليهم بضع درجات صعوداً دون أن يدلقوا ألسنتهم لهاثاً؟!.

 

ربما يغفل الأهل كارثة أن يوغل أطفالهم في عالم الكمبيوتر، والبلاي ستيشن، وجنون الهواتف الذكية، ومواقع التواصل واللهاث خلف اليوتيوب والتيك توك. هم يحيون في عوالم أخرى بعيدة عنا. ولربما يغفل الأهل أيضا أهمية أن نبعد أطفالنا قليلاً عن هذا العالم الجارف القاتل الآسر كيلا يتحولوا إلى كائنات منطوية على ذاتها أنانية استحواذية معقدة.

 

التربية الحديثة تؤمن أن اللعب ينمّي الأولاد، وأنه وسيلة للتعليم الفعال، وبه يفرغون طاقتهم؛ فيصقلهم ويشذبهم. ولهذا تعمد المدارس التي تراعي نفسية الطفل وعقليته، أن توفر التراب والرمل والطين؛ ليصوغوا طاقتهم بالطريقة التي يريدونها. ولنتذكر دائماً أن طفلاً ينشأ بلا لعب سيصبح مشوش الشخصية، مهزوز الوجدان، قاصر الخيال.

 

تشير دراسة صحية إلى أن أكثر من ربع طلبة مدارسنا مصابون بالسمنة، وهذا من شأنه أن يزيد نسب الإصابة بالسكري وأمراض الغدد المزمنة والفشل الكلوي والعيون. ولهذا فعلينا ليس أن نعيد النظر بمناهج التدريس فقط، بل أن نعيد الشأن أيضاً للعب والحركة والتفاعل الإنساني المباشر سيما بعد ظلال جائحة كورونا القاتلة.

 

(الدستور الأردنية)