موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٢

الإرشاد الرسوليّ حول الكنيسة في الشرق بعد عشرة أعوام

البابا بندكتس السادس عشر يوقّع الإرشاد الرسولي في بازيليك القديس بولس للروم الكاثوليك، حريصا، لبنان

البابا بندكتس السادس عشر يوقّع الإرشاد الرسولي في بازيليك القديس بولس للروم الكاثوليك، حريصا، لبنان

الأب رفعت بدر :

 

في عام 2012، وتحديدًا في 14 أيلول، وقّع البابا بندكتس السادس عشر، في أولى محطات زيارته إلى لبنان الشقيق، الإرشاد الرسوليّ: «الكنيسة في الشرق، شركة وشهادة». وقد بنيت العديد من الآمال والتطلعات على هذا الإرشاد الذي يعتبر خلاصة لدراسات وخطابات ومناقشات من لجان تفكير انبثقت عن ما تسميه الكنيسة «سينودس الأساقفة» حول مسيحيي الشرق عام 2010.

 

بعد عشرة أعوام ننظر إلى الوراء ونسأل: كيف كانت الأوضاع على مدار العقد السابق؟ ومباشرة نقول بأنّها لم تكن سهلة على أي أحد. لقد كان عقدًا صعبًا ومليئًا بالمخاطر، بما تضمّن من إطاحة في العديد من أنظمة الحكم. ومن المنظور الديني، وتحديدًا المسيحيّ، قد تمّ الإساءة إلى هذا المكوّن الرئيس، في بعض البلدان العربية، من خلال العمليات الإرهابيّة والاضطهاد من قبل الجماعات الإرهابيّة وحاملي الفكر المتطرّف، في خضم ثورات حدثت في العديد من الدول العربيّة ورافقها توترات سياسيّة وعدم استقرار أمني.

 

نستطيع أن نقول بأنّ العشرة أعوام السابقة قد جعلت الشرق يفرغ من مسيحييه بمقدار ليس أقل من مليوني شخص، وبشكل خاص من مسيحيي العراق وسورية بسبب الأوضاع السياسيّة والأمنيّة، ومن ثمّ فلسطين بسبب استمرار الاحتلال وقيوده، ولبنان بأوضاعه الاقتصاديّة البائسة وفقدان البوصلة السياسيّة، ناهيك عن الأعمال الوحشية التي حدثت في مصر الشقيقة، والتي هي اليوم في حال أفضل.

 

ما هو تأثير الإرشاد الرسولي؟ نعود قليلاً إلى مضامين هذا الإرشاد، والأمور الأساسيّة التي ركّز عليها، لنرى هل تحقّق ذلك أم ما زال قيد التحقيق.

 

أولاً: يصرّح البابا بندكتس بأنّ الشرق الأوسط دون مسيحيين، أو بعدد قليل منه، هو ليس الشرق الأوسط. ونتساءل: لماذا؟ والجواب المباشر هو لأنّ الشرق الأوسط كان دائمًا غنيًّا بالتعدديّة، ودون صورة التعدديّة الراقيّة لن يكون الشرق الأوسط بهذا الجمال الذي كنّا نتغنّى به. لذلك، إنّ الدفاع عن التعدديّة الدينيّة في الشرق الأوسط ليس دفاعًا عن الحضور المسيحيّ فحسب، وإنما هو دفاع أيضًا عن حالة الصداقة والتعاون التي ميّزت أبناء هذه المنطقة بعضهم مع بعض. وهنا نشير ونشيد بالشراكة الحضاريّة بين المسلمين والمسيحيين فلا نتخيّل الواحد دون الآخر، لأننا جميعًا في مركب واحد، وسائرون نحو مستقبل واحد.

 

ثانيًا: يقول الإرشاد الرسوليّ بأنّ الحريّة الدينيّة هي «تاج» الحريات كلّها. وقد سبقه البابا يوحنا بولس الثاني إلى القول بأنّ الحريّة الدينيّة هي «أمّ» الحريات كلّها. وهنا ننظر بعين العدالة والإنصاف للدساتير العربيّة التي تخلو لربما من كلمة الحريّة الدينيّة لأنّ لها وقعا خاصا في بعض التعاليم. لكن على الأقل هنالك حريّة إقامة الشعائر الدينيّة في مجمل البلدن العربيّة، عدا عن تونس والتي خلال هذه العشر سنوات قد أقرّت بشكل واضح في دستورها الجديد، ونقول لأوّل مرّة في دستور عربي، «الحريّة الدينيّة» أو «حرية المعتقد» أو «حرية الضمير». هذا يدلّ على التطوّر الذي يحصل في بعض المجتمعات، ولكن مع الأسف يدلّ على الجمود أو حتّى التقهقر الذي قد يحصل بخصوص الحريّة الدينيّة. لا يمكننا الحديث عن دولة معاصرة قائمة على أسّس المساواة والإخاء والمواطنة من دون أن ينص الدستور على حريّة دينيّة كاملة ومكتملة، ومطبقة أيضًا على أرض الواقع!

 

ثالثًا: وبعد التشديد على أنّ الحوار الدينيّ، المعزّز للشراكة الحضاريّة بين المسلمين والمسيحيين، ليس متطلبًا براغماتيًّا، وإنما هو نتاج تفكير لاهوتي بين الأديان، يؤكد البابا بندكتس على ضرورة أنّ يعامل المسيحيّ في موطنه، وفي هذا المجتمع الشرقيّ، ليس كمواطن من الدرجة الثانيّة، إنما كمواطن أصيل يشهد التاريخ بذلك. وهنا دعوة إلى تعزيز المواطنة الحقيقيّة بين جميع المواطنين والتي هي مفتاح للعمل معًا والتعاضد والتضامن في حلّ المعضلات والإشكاليات التي دمغت منطقتنا العربيّة، ليس في العقد الأخير فحسب، إنما في القرون السابقة.

 

وفي الختام، بعد عشرة أعوام ننظر إلى هذا الإرشاد بأنّه لم ينصف كثيرًا من خلال التعمّق بالتحليل والتفكير حوله، كما وتطبيقه، كونه يمثّل «الفرصة الأخيرة» لبقاء الشرق الأوسط أمينًّا لهويته التاريخيّة في التعدديّة. يبقى الإرشاد الرسوليّ هو تعليم رسميّ في الكنيسة، وبالأخص بأنّه يتعلّق بمنطقتنا العربيّة، ونحن بحاجة أولاً إلى قراءته من جديد، وإعادة التفكير حوله، وإلى تطبيق مضامينه على أرض الواقع، ليس في داخل كنائسنا المحلية فحسب، وانما في مجتمعاتنا العربيّة بأكملها.