موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٣

إني أحبّك يا رب...

البابا بندكتس السادس عشر أمام مغارة بيت لحم

البابا بندكتس السادس عشر أمام مغارة بيت لحم

الأب د. رفعت بدر :

 

تم الإعلان عن آخر كلمة قالها البابا بندكتس قبل رحيله، الساعة 3 فجرًا بين الليلة 30 و31 كانون الأوّل 2022: "يا رب إنّي أحبّك... Ti Amo, Signore"... بحسب ما قالت إحدى الممرّضات التي كانت تتابع حالته الصحيّة في تلك الليلة.

 

وهذا بالذات ما يسعى اليه كلّ مؤمن صالح وصادق في حياته: ألا يغادر هذه الدنيا، إلا محبًّا للرّب وللقريب... وهو كذلك ما سعى إليه "خليفة القديس بطرس"، خليفة صياد الجليل، الذي بعد قيامة الرب المجيدة، سأله المعلم القائم ثلاثًا: "اتحبني يا بطرس؟"، فأجاب ثلاث مرات والدمع في عينيه: "نعم يا رب إني أحبك".

 

لا نتفاجأ صراحة من أن تكون هذه آخر كلمة قالها البابا راتسنجر، فطوال حياته، قبل البابوية وبعدها، كان علمًا من أعلام اللاهوت الكاثوليكي، وإن بدا للعديد وقتها، متزمتًا، وحاملاً شعلة العقائد اللاهوتية بشدّة، لكنّ الأمانة للتعليم والتقليد المسيحي، لم تكن خاضعة لديه للمساومة والتبديل والشعبويات الرخيصة.

 

اللاهوت هو أمانة، ولا يستطيع أي إنسان أن يفرّط بها، أو أن يعيد تفصيلها لتتناسب مع أهواء الناس. هذا بالطبع ما جلب للبابا الراحل "وجع راس كثير"، وخلق له في بعض الأحيان عداوات فكريّة، لكنّه، والحق يُقال، سيبقى في قلب التاريخ واحدًا من أهم الشخصيات المفكرة واللاهوتيّة في تاريخ الكنيسة.

 

واللاهوت ليس فقط تفكيرًا فلسفيًا وعلميًا، بل إنّه صلاة وروحانيّة وحياة قداسة، قبل أن يكون تنظيرًا، لذلك يغادر بندكتس الحياة، وينطق بآخر "تعليم" له ودرس بليغ لكل دارسيّ اللاهوت، ليس المهم كثرة المجادلات اللاهوتيّة، بل مقدار ما تحب الله، في حياتك، وتسعى لإرضائه طول سنيّ عمرك، لتتمكن قبل مغادرة هذه الفانية، بلحظات، أن تقول: "يا رب إني أحبك".

 

ايه، كم هو درس بليغ أيها البابا المعلم والقديس! وما نرجوه الآن، منك يا محبّ الرب، من علياء سمائك، صلّ لنا لكي نستطيع أن نقول ذات الشيء قبل الرحيل...