"كُلُّ بَشَرٍ عُشبٌ وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهرِ البَرِّيَّةِ. العُشبُ يَيبَسُ وَزَهرُهُ يَذوِي... وَأَمَّا كَلِمَةُ الله فَتَبقَى لِلأَبَدِ" (أشعيا ٤٠: ٦-٨). في زمن الميلاد يدعونا النبي إلى التأمل في حقيقة الإنسان، يدعو الكبير والصغير، ولا سيما الذين يظنون أنفسهم كبارا ويتجبَّرون ويظلمون، يدعوهم الله كما يدعونا جميعًا، إلى التأمل في حقيقة الإنسان.
زمن الميلاد زمن فرح ومباهج، ولكنه أيضًا زمن تفكير عميق في ما هو الإنسان. خلقه الله، وتابعه بحبه، وأرسل إليه الأنبياء، ليعلِّمه. هو من جهة لا شيء، مثل زهر الحقل يزهر ثم يذوي، وهو من جهة أخرى كبير، لأن الله جعله كبيرًا. وهو مدعُوٌّ إلى الخلود. جبروت الإنسان زائل وصلاح الله فيه هو الباقي.
جبروت الإنسان يصنع الموت، ويدمّر الأرض، وحب الله فيه يصنع الحياة ويمنح الإنسان قوة البناء. لو استطاع الكبار الظالمون أن يراجعوا أنفسهم في زمن الميلاد، وفي كل يوم، لو استطاعوا أن يحتفلوا بميلاد هو توبة وتصحيح للظلم وتثبيت للعدل في منطقتنا وفي فلسطين. عيد الميلاد اليوم أضواء صغيرة كثيرة في طرقاتنا وفي طرقات العالم، وألوف الشجر تضاء وتزين: كلها، بالرغم من كل أنوارها، نداء يائس إلى الإنسان "المترئس زارع الموت" أنْ كُفَّ عن زرع الموت حيث وهب الله الحياة.
لو استطاع كل واحد منا أمام ضوء الشجرة، في فرح بيته وفي خشوع كنيسته، أن يزيل من نفسه كل ما لا ينطبق مع فرح الميلاد. لو استطاع أن يسترد كامل إنسانيته ياسترداد كامل محبته لجميع إخوته. لو استطاع الجنود حاملو أسلحة الموت أن يدركوا رسالة الميلاد أنهم هم أيضًا للحياة، لا للموت، وللحب لا للكراهية.
هذا هو الميلاد. فكر في ما هو الإنسان ومن هو الله. "كُلُّ بَشَرٍ عُشبٌ وَكُلُّ جَمَالِهِ كَزَهرِ البَرِّيَّةِ... وَأَمَّا كَلِمَةُ الله فَتَبقَى لِلأَبَدِ".