موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ٢٢ سبتمبر / أيلول ٢٠١٤
من الكتاب إلى الإنسان

الأب نادر سليم ساووق :

كما يزيّن الريش الطاووس تزين المعرفة الإنسان، وكلما عرف الأنسان أكثر حقق ذاته وأثبت وجوده ومكانته في المجتمع. وهنا يطل الكتاب كأجمل وأوفى وعاء للمعرفة. فالمعرفة تفتح آفاق الاطلاع وتحقق أدب الحوار واكتساب مهارات الاقناع، ومدّ جسور التواصل مع الآخرين.

ولكن ربمّا لا يقدّر البعض من الناس قيمة الكتاب، الذي يطوف بالإنسان القارىء في أعماق الماضي وآفاق الحاضر وتطلعات المستقبل. والخطر الذي يهدّد الكتاب اليوم: ليست فقط وسائل الإعلام "السطحيّة"، إنمّا هو الكسل وعدم القراءة، فنحن شعبٌ يرى ولا يقرأ.

إنّ قيمة الكتاب لا تقاس بحجمه أو أناقة غلافه، وإنما في نفعه ومحتواه الذي يحمل إلى البشرية نور الفضيلة والمعرفة ، فالكتاب يبقى مقياس الثفافة والتقدم لأي شعب. ومن هذا المنطلق، هناك مثل يقول: "كلما تعلّم الإنسان زادت حرّيته"، وهذا يعني ارتباط الحرية بالتعليم، لأن التعليم يحرّر الإنسان من قيود العبودية والجهل، والحرّية لايمكن أن تعمل في ظل الفقر الفكري والثقافي. ومن هنا تبرز أهمية التنشئة والتربية والتعليم، في إعداد المواطن الحرّ المستنير، ليكون عنصراً فعّالاً في خدمة مجتمعه ووطنه.

يقال إن "البقاء للأقوى"، أمّا في عالم الكتابة، فالبقاء للأقرب إلى قلب وعقل القارىء، فكلما اقترب الكاتب من هموم الناس وعقولهم، كلما كان أكثر دارية بأساليب التعامل مع مشاكلهم، ومدركاً لمسؤوليته في تقديم النافع والمفيد لعقولهم.فالكاتب الحقيقي هو ضمير حيٌّ للمجتمع الذي يعيش فيه، هو صوت الذين لا صوت لهم.

نحن نفخر بالكُتّاب الملتزمين بالنزاهة والموضوعيّة والصدق والدقّة، فالكلمة هي الرابط بين الكاتب والقارىء، والكلمة الصادقة التي تنبع من الاحساس بالآخرين، هي الكلمة الفصل في المفاضلة بين كاتب وآخر من وجهة نظر القارىء. فطوبى لمن يكتب بضميره قبل قلمه، وهنيئاً لمن يكتب بمسؤولية قبل الحرية.

أجل، إنّ الإنسان القارىء لاينهزم ، عندما يكون واعياً وقادراً على التعامل السليم مع المعرفة وآفاقها الواسعة، فالوعي بالمسوؤلية يفرز نتاجاً فكرياً راقياً مستنيراً، الأمر الذي ينعكس على مزيد من حالة التواصل بين الإنسان والكتاب. واذا كان الإنسان هو الغاية الأسمى لكل فعل إنساني، فالكتاب ليس سوى وسيلة لإكتشاف الإنسان ومعرفته، وبالتالي علينا الأنتقال من قراءة الكتب إلى قراءة الإنسان، لأنه هو القضية والهدف.