موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الجمعة، ١٣ يناير / كانون الثاني ٢٠١٧
مطران العرب، ومطران فلسطين، ومطران الثورة

بيت ساحور - د. شارلي يعقوب أبو سعدى :

في عظته خلال رتبة جنازة المثلث الرحمات الشهيد المطران إيلاريون كبوجي، قال البطريرك غريغوريوس الثالث لحام إن المطران الراحل السوري المنشأ، والفلسطيني الكفاح، والعربي الهوية، يمثّل قمة الإخلاص للقضية الفلسطينية. وأضاف البطريرك لحام أن الدفاع عن القضية الفلسطينية والقضايا العربية عموماً هو من تراث كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك والكنائس قاطبة، ولا سيما البابا فرنسيس الذي يعتبر أن العدالة للفلسطينيين هي مفتاح السلام في الشرق الأوسط.

واستذكر البطريرك لحام كلٌ من المطران غريغوريوس حجّار (1901-1940)، مطران الروم الملكيين الكاثوليك في الجليل والمطران جبرائيل أبي سعدى (1948-1965) النائب البطريركي في القدس. هاذان الأسقفان هما أساتذة المطران كبوجي، ولولاهما لما أضحى مطراننا الشهيد على ما كان عليه.

لُقب المطران حجّار بلقب "مطران العرب" وهو لبناني المولد وعربي الهوى. وحين أُطلق عليه هذا قال: "إن هذا اللقب يشجعني في كفاحي ونشاطي في سبيل فلسطين وإنقاذها من الخطر الصهيوني". قال عنه الشريف حسين بن علي ملك العرب والحجاز (1854-1931) أنه مفخرة هذه الأمة وعلم من أعلامها. أما سعد زغلول (1858-1927) فوصفه قائلاً: "إنه أبلغ خطيب عربي". انتظر منه اليهود والإنجليز أن يكون قائداً روحياً بامتياز ملتزماً بوجوده داخل جدران كنيسته في حيفا. غير أنه خالف هذا والتزم بالمبادئ التي تعلمها من يسوع المسيح والكتاب المقدس. فكان الأب والأخ والمدافع عن المظلوم والغريب والمريض والمسلوب الحق مسلم كان أم مسيحي. فكتب وخطب ضد الظلم والبؤس والجريمة والاستيطان والاستبداد والاحتلال الغاشم. استشهد المطران حجّار في ظروف غامضة لم يٌكشف عنها حتى الآن وذلك أثناء عودته من القدس إلى حيفا بعد أن كان قد شارك في مؤتمر لدعم الحقيقة الفلسطينية.

أما مطران فلسطين فهو ابن بيت ساحور جبرائيل أبي سعدى، الذي ساهم وبشكل فعّال في الارتقاء الروحي والثقافي والأدبي والعمراني والإيماني لفلسطين ولسكانها. لقد كان المطران جبرائيل الأديب والمعلم والخطيب والمناضل والسياسي وباني الكنائس والمدارس والمؤسسات المجتمعية التي أرادها لتكون منبعاً للإيمان والرجاء والتسامح والأخلاق والمحبة على أرض فلسطين. سهر الليالي في خدمة الجرحى والمرضى والفقراء والمعتقلين في السجون، وكان المطران أبي سعدى عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني وتعرض لعدة محاولات اغتيال وأهمها تلك التي تعرض لها بعد القائه خطاباً تاريخياً في يافا. وقد شيعه الآلاف من المواطنين المسلمين والمسيحيين في آذار من العام 1965 في جنازة مهيبة تُعتبر من أكبر الجنازات التي شهدتها محافظة بيت لحم حتى يومنا هذا. ويعتبر الراحل وبكل جدارة الشخصية الفلسطينية المسيحية الأقوى والمؤثرة خلال القرن العشرين وذلك بحكم إيمانه وأعماله وخدمته للشعب الفلسطيني.

انتُخب المطران كبوجي نائباً بطريركياً على القدس في العام 1965 خلفاً للمطران أبي سعدى، فجاء ذاك الحلبي العربي وأصبح فلسطيني الدم والروح واحتضنته القدس والفلسطينيون. عَرف كل من أسلافه حجّار وأبي سعدى وتعلّم منهم وأراد أن يكمّل مسيرتهم، فكان خير خلف لخير سلف. رأى المطران كبوجي الظلم بأم عينيه وسمع تأوه المظلومين والأسرى والضعفاء. فما كان منه إلا أن هبّ للمساعدة وتقديم الذات قربانا لله وللكنيسة وللوطن.

عرفه والدي في القدس والتقاه في سجنه مراراً. أما أنا فعرفته والتقيته وتحدثت معه كثيراً في منفاه. كان يسألني دائماً عن القدس وفلسطين، كان يتذكر الكثير من الأشخاص فيسأل عنهم وعن أحوالهم. كان ملتصقاً روحياً فينا فكان يشعر بنا وبما يجري في الوطن من دمار وخبث ويدعو الله بأن يكفّ عنا الاستبداد والظلم. مات واستشهد في المنفى، مع أنه كان يتمنى أن ينهي حياته الأرضية في القدس. لم يتحقق هذا الحلم إذ كان من القلائل الذين رفضت سلطات الاحتلال عودتهم إلى الوطن. لكنه الآن في القدس السماوية مع الملائكة والقديسين والشهداء الذين سبقوه. سجلي يا فلسطين أن مطران الثورة ذهب بعيدًا لكنه سيبقى فينا ما دام يوجد على هذه الأرض ما هو فلسطيني، وشمعة المطران الشهيد كبوجي لن تُطفئ أبداً ما دمنا هنا، وسنبقى.